*الناقض العاشر : الإعراض عن دين الله لا يتعلمه ولا يعمل به 

   والدليل قوله تعالى ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ ) السجدة: 22 ..

- هذا هو الناقض العاشر والآخير من نواقض الإسلام ، و هو الإعراض عن دين الله فلا يتعلمه ولا يعمل به ، و هذا الناقض من أخطر النواقض و أكثرها انتشارا ، بل هو السبب الأعظم في كفر بني آدم ..

 -هنا نقول الإعراض عن دين الله ، ما معنى الإعراض عن دين الله ؟ و الجواب : الإعراض هو : الإهمال والترك ، و متى يكون الإعراض كفرا وردة عن دين الله ؟ و الجواب : يكون الإعراض ردة وكفرا في حالتين :

     *الحالة الأولى : الإعراض عن تعلم أصل الدين الذي يكون المرء به مسلماً ، و أصل الدين هو عبادة الله وحده وترك الإشراك به ، فيجب على الإنسان أن يتعلم كيف يعبد الله وحده ، و كيف يترك الشرك ، وهذا لا يتحقق إلا بمعرفة التوحيد ومعرفة  ضده وهو الشرك بالله ، فإذا لم يطلب العبد العلم بذلك ، فإنه يكون كافرا معرضا عن دين الله سبحانه ، و لاعذر لأحد في ذلك ..

         - سئل العلامة عبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن عن الإعراض الذي يكون ناقضاً من نواقض الإسلام فقال: " إن أحوال الناس تتفاوت تفاوتاً عظيماً، وتفاوتهم بحسب درجاتهم في الإيمان إذا كان أصل الإيمان موجوداً، والتفريط إنما هو فيما دون ذلك من الواجبات والمستحبات، وأما إذا عدم الأصل الذي يدخل به في الإسلام، وأعرض عن هذا بالكلية؛ فهذا كفر إعراض، فيه قوله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ ﴾ [الأعراف: 179 ], الآية وقوله تعالى: ﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾ [طه: 124] الآية، قال العلامة سليمان بن سحمان: " فتبين من كلام الشيخ أن الإنسان لا يكفر إلا بالإعراض عن تعلم الأصل الذي يدخل به الإنسان في الإسلام لا بترك الواجبات والمستحبات " [انظر الدرر السنية (10/472 - 473) ].

-حينئذ نقول : الحالة الأولى من الإعراض الذي يكون ردة وكفرا ، هي الإعراض عن معرفة التوحيد و ضده من الإشراك بالله ، وهذا الإعراض يؤدي إلى الجهل بالتوحيد و الوقوع في الشرك ، ولذلك نقول :

كل من وقع في الشرك الأكبر وعبد الأموات و الصالحين أو تحاكم إلى الطاغوت ، هذا لم يقع في ذلك إلا لأنه أعرض عن تعلم أصل الدين ، فجهل بذلك التوحيد وجهل الشرك ، و هل يعذر بذلك ؟ الجواب : لا ، بالإجماع لا عذر في الشرك الأكبر ، و الإجماع نقله ابن تيمية وابن القيم و أئمة الدعوة ، وقد ذكرت ذلك كله مفصلا في بحث «أصل الدين وضوابط التكفير » فمن شاء رجع إليه .

      *الحالة الثانية : الإعراض الكلي عن جنس العمل كأن ينطق بالشهادتين ولا يعمل شيئاً من أعمال الجوارح مع قدرته فهذا كفر بالإجماع ..

 -كثير من الناس لا يصلي ولا يصوم ولا يحج ولا يزكي ولا يتصدق ولا يعرف حلالا ولا حراما ، هذا معرض عن العمل بالشرائع ، و هذا كفر إعراض وردة بالإجماع ، و قد نقل العلماء الإجماع على كفر تارك العمل بشرائع الإسلام و من هؤلاء :

الحميدي كما أخرجه الخلال في السنة [انظر (3/586) رقم (1027) ]، والشافعي كما ذكره ابن تيمية [انظر مجموع الفتاوى (7/ 209) ]، وأبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب الإيمان [انظر صفحة 18، 19] والآجري في كتاب الشريعة [انظر 2/ 611]، وابن تيمية في مجموع الفتاوى [انظر (14/ 120 ].

- ومما يدل على نفي الإيمان عمن لم يأت بالعمل وإن كان أتى بالقول، قوله تعالى( وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ ) النور: 47 ..

- قال ابن تيمية: " فنفي الإيمان عمن تولى بالعمل وإن كان قد أتى بالقول... ففي القرآن والسنة من نفي الإيمان عمن لم يأت بالعمل مواضع كثيرة " .. انظر مجموع الفتاوى 7/142 ..

- حينئذ نقول : خلاصة القول في هذا الناقض أن الذي يعرض عن تعلم التوحيد و معرفته ومعرفة الشرك حتى يجتنبه ، هذا معرض عن دين الله وحكمه الكفر ، و يلحق به الذي ترك العمل بالشرائع ، فلا هو يصلي ولا يصوم ولا يفعل شيئا من أعمال الإسلام ، فهذا أيضا معرض عن دين الله ، وحكمه الكفر والردة ...

- و نختم بهذه المسألة فنقول : وهل يُعذر المعرض عن دين الله بجهله؟

 -والجواب :

المعرض عن دين الله تعالى لا يتعلمه ولا يعمل به، لا يعذر بجهله لأنه يستطيع رفع الجهل عن نفسه ، فلذلك لا عذر له ، لأنه مقصر ومفرط في طلب الحق ومعرفته ..

 قال ابن القيم - رحمه الله -: " كل من أعرض عن الاهتداء بالوحي الذي هو ذكر الله فلابد أنه يقول يوم القيامة ﴿ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ ﴾ الزخرف: 38 ،فإن قيل: فهل لهذا عذر في ضلاله إذا كان يحسب أنه على هدى، كما قال تعالى ﴿ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ ﴾ قيل: لا عذر لهذا وأمثاله من أهل الضلال الذين منشأ ضلالهم الإعراض عن الوحي الذي جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ولو ظن أنه مهتد، فإنه مفرِّط بإعراضه عن اتباع داعي الهدى، فإذا ضل فإنما أُتي من تفريطه وإعراضه وهذا بخلاف من كان ضلاله لعدم بلوغ الرسالة وعجزه عن الوصول إليها، فذاك له حكم آخر.

والوعيد في القرآن إنما يتناول الأول، وأما الثاني فإن الله لا يعذب أحداً إلا بعد إقامة الحجة عليه " [انظر مفتاح دار السعادة (1/ 43) ].

تم عمل هذا الموقع بواسطة