مَجْمُوعُ رَسَائِلِ الإمامِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الوَهَّابِ :
(8) الأُصُولُ الثَلاثةُ و أدِلَّتُها ..
-قالَ الإمامُ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوهَّابِ :
اعلمْ أرشدَكَ اللهُ لطاعتِهِ :أنَّ الحنيفيةَ ملةَ إبراهيمَ، أنْ تَعبُدَ اللهَ مخلصًا لَهُ الدِّينَ، وبذلكَ أمَرَ اللهُ جميعَ النَّاسَ وخلقَهُم لهَا كمَا قالَ تَعَالى : (ومَا خَلَقْتُ الجِنَّ والإنسَ إلاّ ليعبدونَ) الذاريات: 56 ، ومعنى يَعبدونَ : يُوَحِدونَ . وأعظمُ مَا أمرَ اللهُ بهِ التَّوحيدَ، وهو إفرادُ اللهِ بالعبادةِ، وأعظمُ ما نَهَى عنهُ الشِّركُ وهو : دعوةُ غيرِه معَهُ ؛ والدَّليلُ قولُهُ تَعَالى : (واعْبُدوا اللهَ ولا تُشْرِكُوا بهِ شَيْئًا ) النساء : 36 ..
*الــــشَّـــرْحُ :
- يقولُ الإمامُ مُحَمَّدُ : إنَّ الحنيفيةَ هي ملةُ إبراهيمَ عليهِ السَّلامُ ، و إنَّها مجموعُ أمرينِ : عبادةُ اللهِ معَ الإخلاصِ له .
*والإخلاصُ هو : تركُ الشركِ بكلِّ أنواعِهِ ،و هذا هو الذي خلقَ اللهُ الجنَّ و الإنسَ لأجلِهِ ، فقد خلقهم جميعًا لتوحيدِهِ و تركِ الإشراكِ بهِ ،و حرَّمَ عليهم ضدَّ التوحيدِ و هو الشِّركُ بكلِّ أشكالِهِ ..
و لذلكَ نقولُ : كلُّ النَّاسِ ينتسبُ إلى ملةِ إبراهيمَ عليهِ السَّلامُ ، ولكنْ : هل هُمْ منتسبونَ إليهَا حقًا ؟ الجوابُ : لا, لأنَّ أغلبَ النَّاسَ يعبدونَ الأوثانَ و الأولياءَ و الصالحينَ , و إبراهيمُ عليهِ السَّلامُ كسَّرَ الأوثانَ وحرَّمَ عبادةَ غيرَ اللهِ ، و أغلبُ النَّاسِ يعبدونَ الرِّجالَ بطاعتهم في التشريعِ و التحليلِ والتحريمِ , و قد جاءَ إبراهيمُ عليهِ السَّلامُ بالنّهيِ عن ذلكَ , و أكثرُ النَّاسِ يُقيمونَ الولاءَ والبراءَ على الأرضِ و الجنسِ و العرقِ و اللونِ ، و كلُّ ذلكَ حرَّمهُ إبراهيمُ عليهِ السَّلامُ بأمرٍ من ربِّهِ عز جلالُهُ ، إذنْ : ضاعَتْ ملةُ إبراهيمَ عليهِ السَّلامُ بينَ طغيانِ الشركِ و غربةِ التوحيدِ و أهلِهِ ، فلا حولَ و لا قوةَ إلا باللهِ ..
*الأولى : بيانُ أنَّ ملةُ إبراهيمَ عليهِ السَّلامُ هي عبادةُ اللهِ معَ الإخلاصِ لَهُ ..
*الثانيةُ : بيانُ براءةِ ملةِ إبراهيمَ من كثيرٍ مِمّنْ انتسبَ إليها ..
فاليهودُ و النَّصارى و المشركونَ عبدةَ الأوثانِ كلُّهم يزعمونَ أ نَّهم علي ملةِ إبراهيمَ عليهِ السَّلامَ ، و لكنَّ اللهَ يُكَذِّبُهم في دعواهم قائلًا عز جلالُهُ : (مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) آل عمرانَ : 67 ..
*الثالثةُ : أنَّ التّوحيدَ هو أعظمُ أوامرِ اللهِ سبحانَه ، و الشركُ أعظمُ ما نهى عنه ..
*الرَّابعةُ : معرفةُ غربةِ التّوحيدِ و أهلِهِ في أيامِنَا هذهِ ، حيثُ ملأ الشركُ طباقَ الأرضِ ..