مَجْمُوعُ رَسَائِلِ الإمامِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الوَهَّابِ :
(2) الأُصُولُ الثَلاثةُ و أدِلَّتُها ..
-قالَ الإمامُ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوهَّابِ :
اعلمْ رَحِمَكَ اللهُ أنَّهُ يَجِبُ علينَا تَعَلُّمُ أَرْبِعِ مَسَائِلَ :
*(الأولى) العلمُ وَهُوَ مَعْرِفَةُ اللهِ، وَمَعْرِفَةُ نَبِيِّهِ، وَمَعْرِفَةُ دِينِ الإسْلَامِ بالأدِلَّةِ.
*(الثَّانِيَةُ) العَمَلُ بهِ.
*(الثَّالِثَةُ) الدَّعْوَةُ إليِهِ.
*(الرَّابِعَةُ) الصَّبْرُ على الأذَى فيِهِ ..
الــــــشَّـــرْحُ :
ـ ذكرَ الإمامُ محمَّدُ في هذا الجزءِ منْ رسالتِهِ أنَّ هناكَ أربعَ مسائلَ تبلغُ أهمَّيتُها درجةً كبيرةً جدًا ، بحيثُ صارَ تعلُّمُها واجبًا على كلِّ مسلمٍ و مُسلمةٍ ، فلا يجوزُ إهمالُها ،فَمنْ أهملَها و لم يَتعلمْها فإنَّهُ يأثمُ بذلكَ إثمًا كبيرًا ، لأنَّ هذهِ المسائلَ تتعلقُ بتصحيحِ معتقدِ العبدِ ..
ـ ثُمَّ ذكرَ الإمامُ هذهِ المسائلَ وعدَّها فقالَ : (الأولى) العلمُ ، وفسَّرَ العلمَ هنا بأمورٍ ثلاثةٍ :
*أوَّلُها : معرفةُ اللهِ : يعني : معرفةُ أنَّهُ الربُّ المعبودُ المستحقُ للعبادةِ وحدَهُ بلا شريكَ ..
*و ثانيها : معرفةُ نبيِّهِ : يعني : التَّعرَّفُ على حقيقةِ دعوتِهِ و رسالتِهِ و طاعتِهِ و اتِّباعِهِ ..
*وثالثُها : معرفةُ دينِ الإسلامِ : يعني : معرفةُ أنَّه الدِّينُ الذي لا يقبلُ من أحدٍ دينًا سواهُ ، كما قالَ سبحانَهُ ( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) آل عمران : 85 ، و أنَّ حقيقتَهُ الاستسلامُ للهِ بالتَّوحيدِ و الخضوعُ له بفعلِ ما أمرَ و تركِ ما نهى ، و البراءةُ من الشركِ وأهلِهِ ..
ـ ثمَّ ذكرَ الإمامُ محمَّدُ أنَّ العلمَ بهذهِ الأمورِ الثلاثةِ لا ينفعُ العبدَ إلاَّ إذا عمِلَ بِها ، يعني :
أنَّ تحملَهُ معرفةُ اللهِ على عبادتِهِ سبحانَه و طاعتِهِ ، و كذلكَ معرفةُ العبدِ بالنَّبيِّ ـ صلى الله عليهِ وسلَّمَ ـ تحملُ العبدَ على متابعتِهِ ـ صلى الله عليهِ وسلمَ ـ ، و معرفتُهُ بالإسلامِ تحملُهُ على الإلتزامِ بهِ ، وتركِ ما سواهُ من الأديانِ الشركيةِ كالصُّوفيةِ و الديموقراطيةِ و الاشتراكيةِ و الوطنيةِ و القوميةِ ، فإنَّ هذهِ أديانٌ كفريةٌ لا تلتقي مع الإسلامِ البتة ..
ـ ثمَّ ذكرَ الإمامُ محمَّدُ وجوبَ الدَّعوةِ إلى هذهِ المَعارفِ الشَّرْعيةِ ، فيجبُ على العبدِ الذي هداهُ اللهُ و نوَّر قلبَهُ بهذهِ المعارفِ أنَ يدعوَ النَّاسَ إلى معرفةِ ربِّهم و نبيِّهم و دِينِهم ..
ـ ثمَّ إنَّهُ إذا تَصَدَّرَ لدعوةِ النَّاسِ ، فلابدَّ أنْ يُصيبَهُ الأذى في سبيلِ ذلكَ ، لأنَّ هناكَ نِزاعًا كبيرًا و عَدآءً بينَ أهلِ الحقِّ و أهلِ الباطلِ ، فلنْ يَسْلَمَ منهم ، فيجبُ عليِهِ الصبرُ ..
*الأولى : الحثُّ و التَّحْريضُ على العلمِ ..
وهذهِ مأخوذةٌ من قولِ الإمامِ مُحمَّدِ ( اعلمْ ) وهيَ كلمةٌ فيها تنبيهُ السَّامعِ وإثارةُ ذهنِهِ لأهميةِ ما يأتي بعدها ، و العلمُ هو المعرفةُ و هو الإدراكُ ، و الإدراكُ هو : ( وصولُ النّفسِ إلى المعنى بتمامِهِ ) يعني : الإحاطة التَّامةُ بحقيقةِ المعنى ، كالذي يَدْرسُ مسألةً شرعيةً دراسةً كافيةً شاملةً لكلِّ جوانبِها ، هذا نقولُ : أدركَها وعلمَ بها ، أمَّا لو درسَ بعضَ جوانبِها ولمْ يُحطْ بها ، هذا نقولُ : شَعَرَ بها ، ففرقٌ بينَ الإدراكِ و الشُّعورِ ..
وتعريف العلم ذكره أبو الخطاب في كتابه التمهيد في أصول الفقه ، الجزء الأول صـ 36، فقال: " العلم هو المعرفة أي تعرفُ المعلوم على ما هو به وهو المعرفة الصحيحة " إ.هـ.
فجعل العلم بمعنى المعرفة وهو الذي اختاره المصنف ، هذهِ هي أوَّلُ المسائلِ ونكتفي بها خشيةَ طولِ المقالِ و نكملُ إنْ يَسّرَ اللهُ باقي المسائلِ في المقالِ القادمِ إنْ شاء اللهُ ..