*دلالة الشرع على معنى الإكراه :
صورة الإكراه التي رسمتها الشريعة من خلال حادثة عمار بن ياسر وهي التي نزلت بشأنها الآية ، فيها ملاحظات :
1- تعلق الإكراه بقول الكفر دون فعله ، لأن عمارا سب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - و السب باللسان قول لا فعل ، ونقول : هل الإكراه على الكفر يتعلق بالقول فقط ؟ أم تتسع دائرة الإكراه حتى تشمل الفعل أيضا ؟ هذه محل خلاف بين العلماء و يأتي فيها تفصيل موجز يحسم أمرها ..
2- الإكراه الذي أباحت معه الشريعة قول الكفر هو الذي يؤدي إلى القتل أو تلف عضو من الأعضاء أو الحرق أو الضرب الشديد الذي يتلف معه الجسد و يحدث عاهة وعجزا ، وهذا ما تعرض له عمار بن ياسر ، فإنهم كادوا يقتلونه ..
3- الإكراه الذي أباحت معه الشريعة قول الكفر ينعدم فيها أمران :
*الأول : الرضا : أي اطمئنان النفس و قبولها ، بل تكون فيه النفس كارهة مبغضة له ، و الثاني : الاختيار : فلا يستطيع المكره أن يختار بين أمرين ، بل عمله ينحصر في أمر واحد ، فعل الكفر و النجاة من القتل ، أو الصبر و الموت ..
- وهذا النوع هو الذي يسميه الأصوليون : الإكراه الملجئ ، حيث ينعدم فيه الرضا و الاختيار ، ولا يبقى إلا فعل الكفر أو العذاب بقتل أو تلف عضو أو حرق أو غرق أو مالا تتحمله النفس البتة ..
- و نحن إذا فهمنا ذلك و أدركناه فيجب أن نقول :
إن كثيرا من الصور التي يقول عنها البعض إكراها مبيحا للكفر ليست هي الصور التي تقرها الشريعة تحت باب الإكراه و من ذلك :
- رفع القضايا لاسترداد الحقوق : فإذا نهب البعض مالك و سلبه قهرا ، فأنت مخير بين أمور :
1- أن تسلك كل سبيل لاسترداد حقك باللين أو بالقوة ..
2- الصبر عند العجز عن استرداده ..
3- اللجوء للمحاكم الشركية و رفع القضايا ..
أما اللجوء للمحاكم فلا نزاع في كونه كفرا ، و لكن :
هل توفرت في هذه الصورة شروط الإكراه التي تبيح الكفر و هو رفع القضايا ؟
و أنا أسأل و أجيب نفسي فأقول :
هل الذي ترافع هنا للمحاكم مهدد بالقتل إن لم يترافع ؟ لا ، هل هو مهدد بتلف عضو من جسده ؟ لا ، هل هو مهدد بحرق أو غرق ؟ لا ، إذن : أول أركان صورة الإكراه لم تتحق ، وهي : أن يقع تحت العذاب الشديد الذي يؤدي لقتله أو تلف عضو كما حدث مع عمار بن ياسر .
و السؤال الثاني :
هل الذي يترافع لا اختيار له ؟
نعم هو كاره و غير محب لذلك ، ولكن : هل هو غير مختار ؟ لا ، هو مختار لفعل الكفر ، كيف ؟ لأنه يستطيع ترك الترافع بكل سهولة ، فالسيف ليس على رقبته ، بحيث لو ترك اللجوء للمحاكم قتلوه ، غاية الأمر ضياع المال ، أما المكره حقيقة فإنه إما يقتلوه أو يفعل الكفر ..
- إذن : صورة الإكراه هنا مزعومة ولا تصح ، لأنها تفقد شروط الإكراه الذي توفرت في حادثة عمار بن ياسر و فيها نزلت الآية ..
- لعل بعضكم لا يعجبه ما أقرره و لكني أقول :
هذه آية الإكراه و هذه حادثة عمار و فيها نزلت الآية ، وأنا بينت لكم و أوضحت معني الإكراه من خلال حادثة عمار ، و ليس هناك تطابق بين ما حدث لعمار و بين مسألة استرداد الحقوق ، فشتان شتان ، وإن شريعة الله لا تخضع لأهواء الناس ، فإما نأخذها كما نزلت ، او نتركها ، اما أن نتلاعب بها ، فهذا خذلان عظيم ، و إني محذركم :
لا تطيعوا أحبار السوء ومبيحي الردة بفتاويهم ، فإن دول الكفر تسلطت علينا لما تلاعبنا بشريعتنا ، و لجأنا للقوانين الشركية ، لا سبيل إلا الفرار إلى الله لا من الله ، و إلي الشريعة لا منها ..