*دلالة الشرع على معنى الإكراه :
قال تعالى « مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ» [النحل:106] و سبب نزول الآية : لما أخذ المشركون عمار بن ياسر، فلم يتركوه حتى سبَّ النبي صلى اللّه عليه وسلم، وذكر آلهتهم بخير، ثم تركوه. فلما علم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال له عليه الصلاة والسلام: كيف تجد قلبك؟ قال: مطمئناً بالإيمان، قال: فإن عادوا فعد .. رواه الحاكم والبيقهي بسند صحيح ..
- حادثة عمار بن ياسر - رضي الله عنهما - هي الأصل الذي ينبني عليه الكلام في الإكراه ، و هي الضابط و الميزان ، و لابد من فهم مفردات الحادثة و تدقيق النظر فيها.
و بيان ذلك أن نقول :
صورة الإكراه التي نزلت بشأنها الآية لها مفردات تتكون منها :
1- المُكْرِهُ : و هم طائفة لها من القوة و البطش ما تتمكن به من إنزال العذاب و الضرر على شخص أو أكثر ..
2- المُكْرَه : شخص مستضعف لا قوة له على دفع الأذى عن نفسه ،وقد يكون المُكْرَه أشخاصا لا حيلة لهم ولا قوة ..
3-أن المُكْرَه ليس أمامه إلا أمران : أن يأخذ بالرخصة و يفعل المطلوب منه ، أو يرفض و يتحمل الضرر .
4- أن المُكْرَه ليس مختارا لما يفعله و لا محبا له .
5-أن فعل المُكْرَه يتعلق بشئ واحد ، يفعله أو يتركه ، لكن لو كان له اختياران فليس بمكره:
و مثاله : أن يطلبوا مثلا شتم الرسول - صلى الله عليه وسلم - أو يقتلوه ، فلو كان يستطيع الهرب منهم و لم يهرب و شتم الرسول ، هذا ليس مكرها ، لماذا ؟ لأن له سبيلا آخر يدفع به القتل عن نفسه ولا يرتكب الكفر ، فكل من تمكن من سبب يدفع به الإكراه عن نفسه و لا يرتكب الكفر ، لا يحل له موافقتهم .
- فالحاصل هنا :
أن الإكراه حتى يكون معتبرا في الشريعة لابد فيه من شئ مهم : أن يكون عمل المُكْرَه من حيث الفعل والترك متعلقا بأمر واحد ، إما يمتنع و يصبر ، أو يفعله و ينجو ، لكن لو كان أمامه
سبيل للترك كالهرب أو الفداء بمال ، فليس هذا مكرها حقيقة ..