*كتاب العلم (5) : التوازن في طلب العلم
العلم له مشارب متعددة ، و النفس تحتاج إليها جميعها ، ليحدث التوزان في الطلب و تكتمل الملكة العلمية، و أهم هذه المشارب ما يلي :
*المشرب الإيماني : و هو دراسة ما يتعلق بقضية اليوم الآخر ، بداية من الموت و حياة البرزخ ، ثم البعث و النشور و الحساب والجزاء ، و دار النعيم و دار الجحيم ، فإن هذا المشرب الإيماني هو قاعدة
الانطلاق لكل مسلم ، و هو مفتاح القلوب ، وسبيل استقامتها ، و قد مكث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سنوات الدعوة الأولى يغرس في أصحابه هذه الركيزة الكبرى ، و يسقيهم من ماء هذه العين التي ما شرب منها عبد إلا استقام أمره و أفلح ...
و كثير من طلاب العلم ينشغلون بدراسة علوم الآلة كالنحو و الأصول وغيرها ، وهم أجهل الناس بأمور الموت و الآخرة ، و لو طلب منهم عامي تذكرة أو عظة فإنهم يعجزون عن ذلك ، و قد برز في هذا الباب أهل البدع و الضلال من الصوفية المنحرفين ، فملكوا قلوب عوام المسلمين و استدرجوهم إلى مهاوي الضلال .
فالواجب أن يعتني طلاب العلم بهذا المشرب ، و أن يستزيدوا منه قدر الإمكان ، فإنه سبيل الربانية ...
* المشرب الشرعي : و هذا يشمل علوم الشريعة أصولا وفروعا و مقدمات و متممات ، فيجب أن يأخذ الطالب من كل هذه العلوم حظا وافرا ، يبدأ بالأولى ، و لا يتعجل و يتسرع ، و لايقدم المهم على الأهم ، و بعض الطلاب يعتني بعلوم الآلة كالنحو و التصريف ، و لا يكاد يحفظ سورة من كتاب الله ؟! هذا ليس بطالب علم ، هذا مفلس ، فالواجب الاهتمام بالأصلين الكبيرين ، الكتاب و السنة ، حفظا و تدبرا ثم ما يليهما أهمية .
* المشرب الفكري : لا ينبغي لطالب العلم أن يكون بمعزل عن واقع أمته ، و واقع الأمة يعج بالقاذورات الفكرية كالعلمانية و الليبرالية و الديموقراطية و غير ذلك من زبالات القوم .
فيجب أن نعتني بهذا الجانب و ندركه و نقف على حقيقته، حتى نستبين سبيل المجرمين،و نحمي الشريعة من هذه الهجمات و نصون عقول المسلمين عنها ...
*المشرب الدعوي : كيف تصل بعلمك إلى قلوب الناس ؟ كيف تأخذ بأيديهم إلى الله سبحانه ؟ كيف تخطب في الناس ؟ كيف تشرح متنا علميا ؟كيف تكتب مقالا ؟ تساؤلات كثيرة تحتاج جوابا ، إلا صار الطالب قرطاس علم لا قيمة له ...