قال تعالى: ﴿وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ﴾ [آية : 4].
*أولا : المعنى الإجمالي :
إن أهل الكتاب وهم اليهود والنصارى، كانوا متفقين فيما بينهم على أن نبيا سيبعثه الله في آخر الزمان، فقد كانت عندهم البشارات ببعثته صلى الله عليه وسلم فلما جاءهم رسول الله صلى الله عليه وسلم اختلفوا فيه، فآمن به بعضهم و كفر الباقون، فوقع بينهم الخلاف و الافتراق بعد بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يجتمعوا عليه بل تفرقوا، مع أنهم كانوا قبل بعثته متفقين على نبوته و مترقبين لإرساله، لكنهم قوم أنذال يستحبون العمى على الهدى.
و هذه الآية تقرر حقيقة وهي :
أن اليهود والنصارى لم يختلفوا في دينهم و يخالفوا الحق عن جهالة وقلة علم، و إنما اختلفوا و تفرقوا بعد مجيء العلم و البينات، و هذا دليل على خسة نفوسهم و حقارتها، ولكن هذه الحقيقة ليست قاصرة على اليهود والنصارى، بل إنها صارت صفة من صفات غالب المنتسبين إلى ملة الإسلام، فإنهم يخالفون الحق مع ظهوره و وضوح البينات عليه، و يتفرقون في الدين و لا يجتمعون عليه مع أن الله أمرهم بالاجتماع ونبذ الخلاف.
ولقد أمر الله أمة الإسلام بإقامة الدين و عدم التفرق فيه كما قال تعالى: ﴿أنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ۚ﴾[الشورى : 13]، يعني : اجتمعوا على تطبيقه والعمل به ولا تختلفوا فيه، ولكن أمة الإسلام تفرقت في الدين ولم تجتمع عليه، بل اختاروا المناهج الشركية الأرضية، كالمنهج الديمقراطي الذي يجعل التشريع والتحليل والتحريم حقا للبشر، وهذا هو الكفر البواح، و قد فعلوا ذلك وهجروا كتاب الله والبينات الواضحات .
*ثانيا : غريب لغة القرءان:
- تفرقوا : من التفرق ضد الاجتماع و المعنى : لم يجتمعوا على الإيمان بمحمد- صلى الله عليه وسلم - وطاعته ، بل اختلفوا على الإيمان به، فكذبه أكثرهم و آمن به قلة.
- الكتاب : التوراة والإنجيل.
- البينة : محمد صلى الله عليه وسلم و ما معه من آيات الله وهي القرءان.