(9) دَوْرَةُ شَرْحِ الآجُرُّوُمِيَّةِ :
ـ قالَ ابنُ آجُرُّومَ : الإِعْــــــــــرَابُ: هُوَ تَغْييرُ أوآخرِ الكَلِم، لاختلافِ العواملِ الداخلةِ عليها لفظًا أو تقديرًا ..
*الــــــــــــشَّــرْحُ :
ـ مُقدِّمةٌ عن الإعرابِ والبناءِ ..
ابنُ آجُرّوُمَ في هذا المتنِ الطيبِ ذكرَ الإعرابَ و لم يتعرَّضْ للبناءِ ، فنذكرُ مقدِّمةً ضروريةً عن الإعرابِ و البناءِ ثمَّ نُكملُ عُهْدَتنا بشرحِ المتنِ ، فنقولُ : الكلمة في العربية الفُصْحى لا تخرج عن كونها مُعربةً أو مبنيةً ، و هذا يُسمّيه النّحاةُ : " التعريفَ بالوَصْفِ " و المراد بذلك : وصفُ شَكْلِ الحرف الأخير من الكلمة ، لأنّ الكلمة العربية قد يتغير شكل آخرِها تبعاً لوظيفتها الإعرابية في الجملة ، وهذا التغير هو (الإعراب)عند النّحاة ...
و لنتَأمّل هذه الأمثلة و نرصد معاً هذه الظاهرة النحوية :
( أ ) جاءَ زيدٌ .
( ب) رأيتُ زيداً .
( ج) مررتُ بزيدٍ .
كلمة ( زيد ) في الأمثلة الثلاثة تغير شكلُ آخرها مرةً بضمةٍ و مرةً بفتحةٍ و مرةً بكسرةٍ ، و هذا التغير جاء تبعاً لموقع الكلمة في كلِ مثالٍ، فـ (زيدٌ) في المثال الأول فاعل ، و هذا يقتضي الرفع و الرفع علامته الضمة ،و في المثال الثاني ( زيداً ) مفعول به ، وهذا يقتضي النصب ، والنصب علامته الفتحة ، و في المثال الثالث ( زيدٍ ) اسم سبقه حرفُ جرٍ ، و هذا يقتضي الجرَّ ، و الجرُّ علامته الكسرة .. وحالة التَّغيُّر التي رصدناها في الأمثلة السابقة كما قلنا يسمّيها النَّحاة (الإِعْرَابَ) .
ـ و على ضوء ما سبق أن الجملة المُعربة تتكوّنُ من أربعةِ أركانٍ :
و قد يَلْزمُ شكلُ آخر الكلمة هيئةً واحدةً مهما تغير موقع الكلمة في الجملة ، و هذا هو (البناء) عند النّحاة ، و لنتأمّل هذه الأمثلة :
( أ ) جاءَ هؤلاءِ .
(ب) رأيْتُ هؤلاءِ .
( ج ) مرَرْتُ بهؤلاءِ .
كلمة ( هؤلاءِ ) جاءت في الأمثلة الثلاثة على هيئةٍ واحدةٍ ، فلزم الحرف الأخير منها حالة الكسر، وقد جاءت ( هؤلاءِ ) فاعلاً في المثال الأول ، ومفعولاً به في المثال الثاني، و اسماً مجروراً في المثال الثالث ، و مع ذلك لزمت هيئةً واحدةً في كل أحوالها .. و الكلمة الواحدة لا نستطيع أنْ نحكمَ عليها بإعرابٍ ولا بناءٍ ، لأنّه لابد أنْ تنتظمَ الكلمةُ في جملةٍ عربيةٍ حتى تظهرَ وظيفتها و يتسلط عليها العامل الإعرابي لتؤديَ معناها في ضمن التركيب العربي ، لأنّ النّحوَالعربيَّ موضوعُه الجملة المركبة لا الكلمة المُفردة .
وأنبه هنا على أهمية نظرية الإعراب ، التي تُعتبر الأساس الذي قام عليه النّحو العربيُّ منذ نشأة النّحو وعلوم العربية الفصحى ، و قد صانَ العلماءُ القرءانَ و السنةَ من خلالِ هذه النظرية بما قرروه من القواعد التي حفظتْها كتبُ النّحوِ العربيِّ قديماً وحديثاً ,و لما بدأت حركة جمع
اللغة و التقعيد لها و ترتيب أبواب النحو العربيِّ على وفق اللسان العربي الفصيح ، اعتنى النّحاة بنظرية الإعراب اهتماماً بالغاً ، لأنّهم أدركوا دورها في حفظ اللسان العربيِّ و القرءان والسنة ، و قد رُوي عن عمرَ أنّه قال : (تعلموا إعراب القرءان كما تتعلمون حفظه)(1) ، وعن ابن مسعود قال: (أعربوا القرآن وإنّه سيأتي أقوام يتقنونه وليسوا بخياركم) (2) .
(1) الزينة (أبو حاتم الرازي):1/ 117.
(2) المصدر السابق .