(4) دَوْرَةُ شَرْحِ الآجُرُّوُمِيَّةِ :
قالَ ابنُ آجُرُّومَ : و أقسامُهُ ثلاثةٌ : اسمٌ و فعلٌ و حرفٌ جاءَ لمعنى ..
* الــــــــــــشَّــرْحُ :
ـ الكلامُ العربيُّ له دلالاتٌ ثلاثٌ :
. أولها : ذات : وهي " ما تُدرك بالحسِّ " كالإنسانِ أو الحيوانِ أو النَّباتِ أو الجمادِ ، أو " تُدركُ بالعقلِ " ،كالعلمِ و الشجاعةِ والشرفِ والنُّبوغِ ، وهذا ما يُسمَّيهِ النُّحاة " الاسم " ، وسواءٌ كانَ المعنى متعلقاً بالحسِّ أو العقلِ ، فإنَّ الزمنَ هنا لا وجودَ له .. وثانيها : حَدَث : و هو " فعلُ الفاعلِ " , فلو قلنا : قامَ زيدٌ ، فإنَّ القيامَ حدثٌ له صورةٌ في ذهنِ السامعِ والمُتكلمِ ، و كلُّ حدثٍ لابدَّ له من زمنٍ مصاحبٍ له , أي : وقت يقع فيه ، وهذا يسميه النحاة " الفعل " .
. و ثالثها : رابط للذات بالحدث : و المراد بذلك " حروف المعاني " كحروف الجرِّ والشَّرْط ، فإنَّها تربط الذاتَ بالحدث, لأن الحدث في معنى الصفة والصفة تطلب موصوفاً ، فيأتي الحرفُ رابطاً للصفة (الحدث) بالموصوف (الذات) .. و على ضوء ما سبق فإنّ الكلمة تنحصر في أنواعٍ ثلاثةٍ :
اسمٍ وفعلٍ وحرفٍ ، لذلكَ: قال ابنُ آجُرُّومَ : و أقسامُهُ ثلاثةٌ : اسمٌ و فعلٌ و حرفٌ جاءَ لمعنى ..
ـ و تقسيمُ الكلامِ إلى اسمٍ و فعلٍ و حرفٍ ، هذا نسمَّيهِ :
" التَّعريفَ بالنَّوعِ " ، و هذا مثلُ تعريفِ الإنسانِ بأنَّهُ كائنٌ حيٌ ناطقٌ ،و بأنَّه إمَّا ذكرٌ و إمَّا أنثى ، فالذكورةُ نوعٌ و الأنوثةُ نوعٌ ، و هكذا الكلامُ ، فنوعٌ منه اسمٌ ، و نوعٌ منه فعلٌ ، و نوعٌ منه حرفٌ ..
ـ و قد وضع النحاة حداً لكل نوعٍ من هذه الأنواع الثلاثة ، فأمَّا الاسم فهو : " ما دلَّ على معنى غير مقترنٍ بزمنٍ " فقولنا : زيد ، هذه كلمةٌ دلَّتْ على ذاتٍ مُسماةٍ بها ، وقد تجردَتْ عن الزمنِ ، وأمَّا الفعل فهو : " ما دلَّ على معنى مقترنٍ بأحدِ الأزمنةِ الثلاثةِ "
فقولنا : قرأ ، هذه كلمةٌ دلَّتْ على حدثٍ وهو القراءةُ ، و اقترنَتْ بزمنِ الماضي ، و هو زمنُ ما قبلَ التكلمِ ، و أمَّا الحرفُ فهو : " مادلَّ على معنى في غيرِهِ " فحرفُ الجرِّ " في " لا يظهرُ معناه إلا بوضعِهِ في جملةٍ ، فقولنا : صليتُ في المسجدِ ، هنا دلّ على الظرفيةِ المكانيةِ التي لم تكنْ لتظهرَ إلاَّ في ضمنِ هذهِ الجُمْلةِ ..
ـ و تأتي المسألةُ التي نريدُها : ما هي أهمَّيةُ معرفةِ أنواعِ الكلامِ ؟ ..
و الجوابُ : تحديدُ نوعِ الكلمةِ في الجملةِ العربيةِ ، يتوقفُ عليهِ فهمُ الجملةِ وفهمُ مدلولِها المعنوي ، و يتوقفُ عليهِ صحةُ الإعرابِ من خطئِهِ .. فالكلمة ُإنْ كانَت حرفاً فهي مبنيةٌ وليسَ لها محلٌ إعرابيٌ ، و بهذا نحددُ وظيفتَها في الجملةِ ، فالحرفيةُ تعني أنّ ثّمّ رابطاً يربطُ مفرداتِ الجملةِ ببعضِها ، أو ينقلُ المعنى من كلمةٍ إلى أخرى ،كحروفِ الجرِّ ،فإنها تجرُّ معانيَ الأفعالِ إلى الأسماءِ لتتمَّ فائدةُ الكلامِ .. و إنْ كانَتْ الكلمةُ اسماً , فهذا يعني أنّ لها محلاً إعرابياً ، سواء كانت مبنيةً أو مُعربةً ، و إنْ كانت فعلاً فقد تكون مبنية ً أو مُعربة ً ، و في حالة الإعراب فلابد أنْ يكون لهامعمولاتٌ تعملُ فيها إعرايباً و سيأتي تفصيل ذلك .. و من خلال تحديد نوع الكلمة نحدد نوع الجملة , فقد تكون اسمية أو فعلية بحسب نوع الكلمة في الجملة ، و الأمثلة التالية توضح ما تقرر فنقول :
أ) ما جاء زيدٌ ،
ب) إنّما محمدٌ رسولٌ ،
ج) قوله تعالى : (ماهذا بشراً )يوسف آية :31 .
د) و قوله تعالى ( يسبح لله ما في السموات و الأرض ) التغابن آية :1 .
في الأمثلة الثلاثة وردت " ما " كجزء من كل مثال ، إلا أنّ نوعها يختلف في كل جملة ، ففي المثال ( أ ) جاءت "ما" حرفَ نفيٍ لا محل له من الإعراب ، فليس لها تأثير إعرابي ، و إنما هي حرف يدل على نفي الحدث وهو المجيء ... و في المثال (ب) جاءت حرفاً يكفُّ " إنّ " عن العمل , و لذلك الجملة المقترنة بها مبتدأ وخبر ، و فائدتها هنا مع " إنّ" توكيد الدلالة المعنوية للجملة ، لكنها لم تعمل إعرابياً .. و في المثال (ج) جاءت حرف نفيٍ يعمل عمل ليس النافية , ولذلك " هذا " اسمها مبني على السكون في محل رفع و " بشراً " خبرها منصوب ..
و في المثال (د) جاءت " ما " اسماً موصولاً مبنياً على السكون في محل رفع فاعل للفعل " يسبح " ، و بهذا يتضح لنا أهمية تحديد نوع الكلمة ، لأنّه يحدد الوظائف الإعرابية ، و الاتجاه الدلالي في الجملة العربية ...