(30) دَوْرَةُ شَرْحِ الآجُرُّوُمِيّةِ :
ـ قالَ ابنُ آجُرُّومَ : فالنَّواصبُ عَشَرَة :
وهي: أَنْ، ولَنْ، وإذنْ، وكَيْ، ولام كي، ولام الجُحُود، وحتى ،والجواب بالفاء والواو وأو.
*الـــــشّـــــرْحُ :
ذَكَرْتُ النواصِبَ التي تنصِبُ بنفسِهَا وهي : أنْ و لنْ و إذنْ و كيْ ، ثمَّ بَدَأتُ في ذكْرِ ما يَنْصِبُ بـ ( أنْ ) مُضمرَةٍ , و انْتَهَيْتُ من : لامِ كَيْ و لامِ الجُحُودِ و حتَّى و الجوابُ بالفاءِ وهي فاءُ السببيةِ ، ونُكْمِلُ باقي النَّواصبِ ..
ـ قالَ هُنَا في المَتْنِ : والواو ..
المرادُ واو المعيةِ وهي حرفُ عطفٍ ،و معنى المعيةِ : أنَّ ما قبلَ الواو و ما بعدَها يصحبُ أحدُهما الآخرَ فيقعانِ في وقتٍ واحدٍ ، فلو قلتُ :
( أَتَبْتَسِمُ وَتُصَافِحَ الزَّائِرَ ) ، ما قبلَ الواو هو الفعل ( أَتَبْتَسِمُ ) و ما بعدها هو الفعلُ (تُصَافِحَ ) إذن : الابتسامُ في وجهِ الزائرِ يصحبُهُ المصافحةُ باليدِ ، فهذهِ واو المعيةِ ، لأنَّ ما قبلَها و ما بعدَها وقعا في زمنٍ واحدٍ ..
على مَذْهَبِ ابْنِ آجُرُّومَ صَاحِبُ المَتْنِ أنَّهَا ناصِبَةٌ بنفسِهَا ، فقولُنا :
( أَتَبْتَسِمُ وَتُصَافِحَ الزَّائِرَ ) تُصَافِحَ : فعلٌ مضارعٌ منصوبٌ بـ ( بواو ) المعيةِ ، وعلامةُ نصبِهِ الفتحةُ الظاهرةُ على آخرِهِ ، وعلى مذهبِ الجمهورِ وهو الصًّوابُ أنَّ الفعلَ منصوبٌ بـ ( أنْ ) مضمرةٍ وجوبًا بعدَ واو المعيةِ ، لماذا ؟ لأنَّ واو المعيةِ حرفُ عطفٍ ، و كونُها عاطفةً هذا يُبطلُ عملَ النَّصبِ ، لأنَّ القاعدةً عندنَا و قلنَاها كثيرًا : الحرفُ لا يَعْمَلُ إلاَّ إذا اختَصَّ بمدخولِهِ ..
و يُشترطُ في النّصبِ بواوِ المعيةِ أنْ يسبقَها نفيٌ أو طلبٌ ، وهذا كما قِيلَ في فاءِ السببيةِ ..
ومنْ ذلكَ قولُ الشِّاعرِ : لا تَنْهَ عَنْ خُلُقٍ وَتَأْتِيَ مِثْلَهُ *** عَارٌعَلَيْكَ إذَا فَعَلتَ عَظيمُ
( وَتَأْتِيَ ) الواو للمعيةِ ( تَأْتِيَ ) فعلٌ مضارعٌ منصوبٌ بـ ( أنْ ) مضمرةٍ وجوبًا وعلامةُ نصبِهِ الفتحةُ الظاهرةُ على آخرِهِ ، في هذا المثالِ سبقَ واوَ المعيةِ النَّفيُّ ، وهذا شَرْطُها لكيْ تعملَ ..
وَقَوْلُهُ تَعَالى حِكَايَةً لقولِ الكُفَّارِ يومَ القيامةِ (يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا ) الأنعام : 27 ، ( ولا نُكَذِّبَ ) هذهِ واو المعيةِ ( نُكَذِّبَ ) مضارعٌ منصوبٌ ب ( أنْ ) مضمرةٍ وجوبًا بعدَ واو المعيةِ ، و لا النافيةُ لا تنقضُ عملَ النّصبِ ، وقد سُبِقَتْ واو المعيةِ بالتمني (يَا لَيْتَنَا ) و التمني طلبٌ بالفعلِ ..
ـ قالَ هنا في المتنِ : و أو ..
( أوْ ) هذهِ آخرُ النواصبِ ، (أوْ) تكونُ ناصبةً بنفسِها في مذهبِ الكوفيينَ، والصَّحيحُ أنَّها ليسَتْ ناصبةً بنفسِهَا، بلْ بـ (أنْ) مضمرةٍ وجوبًا بعدَهَا، (أوْ) تأتي بمعنى(إلى) أو (إلاَّ) و تفيدُ الإباحةَ وتُفيدُ التَّخييرَ بينَ شيئينِ, (لألزمنَّكَ أوْ تَقْضِيَني) (تقضيَ) فعلٌ مضارعٌ منصوبٌ، ما النَّاصُب لَهُ؟
- قالَ الكوفيونَ (أوْ) ناصبةٌ بنفسِها ، والصَّوابُ أنَ الفعلَ منصوبٌ بـ (أنْ) مضمرةٍ وجوبًا بعدَ (أوْ) لأنَّ (أوْ) تأتي للعطفِ ، وإذا كانَتْ عاطفةً ، فحرفُ العطفِ لا يَنصِبُ، وإنَّما يفيدُ اشتراكَ مابعدَه بما قبلَه، وهنا (لألزمنَّكَ أوْ تقضيَني) يعنى: إلى أنْ تقضيَني حقي ..
(لأقتلَنَّ الكافرَ أو يُسْلِمَ) (أو يُسْلِمَ) بالنَّصبِ، إذن: (يسلمَ) فعلٌ مضارعٌ منصوبٌ بـ (أوْ) على مذهبِ ابنِ آجُرُّومَ، ومنصوبٌ بـ (أنْ) مضمرةٍ وجوبًا على الصَّحيحِ بعدَ (أوْ)، إذن : (لأقتلَنَّ الكافرَ أوْ يُسلمَ) (إلاَّ أنْ يُسلمَ) فلنْ أقتلَهُ ، لأنَّ الإسلامَ عاصمٌ للدمِ والمالِ ، هذا آخرُ ما يُقالُ في بابِ النَّواصبِ ..