(3) دَوْرَةُ شَرْحِ الآجُرُّوُمِيَّةِ :
ـ قالَ ابنُ آجُرُّومَ : الكَلامُ هو : اللَّفْظُ المُرَكَّبُ المُفِيدُ بالوَضْعِ ..
* الــــــــــــشَّــرْحُ :
عَرَفْنَا أنَّ الكلامَ عندَ النُّحاةِ هو ما اتَّصفَ بأربع صفاتٍ : اللَّفْظِ و التركيبِ و الإفادةِ و الوضعِ ، وقد فَهِمْنا مرادَ النُّحاةِ بذلكَ ، يَبقى لنا بعضُ الفوائدِ نذكرُها على ما سبقَ :
1ـ قولُهُ ( اللَّفظُ ) : قلنا إنَّ اللَّفظَ هو : ما ينطقُ بهِ اللِّسانُ ،وكونُ اللَّفظِ شيئاً منطوقاً ، فإنّه ينبني على ذلكَ أنَّ الفائدةَ لو تحقَّقَتْ بغير تَلَفُظٍ صوتيٍ ، فإنَّ ذلكَ لا يكونُ كلاماً عندَ النُّحاةِ , فلو أشارَ إليكَ أحدٌ أنْ اجْلِسْ , هل أفادَ؟ الجوابُ : نعم , هلْ هُوَ كلامٌ ؟ الجوابُ : لا , لماذا ؟ لأنَّه لم يتلفظْ بهِ , فلابُدَّ أنْ يكونَ لفظاً منطوقاً نُدْرِكُهُ بالأسماعِ .. و بهذا الشَّرطِ فإنَّ كُلَّ ما أفادَ و لم يكنْ صوتاً ملفوظاً بهِ ، فلا يَعُدُّه النُّحاةَ كلاماً ، و هذا بناهُ النُّحاةُ على قاعدةٍ ذكرها الإمامُ ابنُ جِنِّي أحدُ تلاميذِ شيخِ النُّحاةِ أبي عليٍ الفارسي ، حيثُ قالَ : اللُّغةُ أصواتٌ ، وهذهِ قاعدةٌ يتوارثُها النُّحاةُ عن بعضِهم جيلاً بعدَ جيلٍ ...و قد تبيَّنَ بهذهِ القاعدةِ بطلانُ قولِ الأشاعرةِ بأنَّ القرءانَ هو كلامُ اللهِ النَّفسي ، يعني : أنَّ اللهَ يتكلمُ بغيرِ صوتٍ مسموعٍ ، بل هي معاني تقومُ بنفسِهِ ، يفهمُها جبريلُ عليه السَّلامُ ثمَّ يتكلمُ بها بصوتِهِ هو ، و جبريلُ مخلوقٌ و كلامُ المخلوقِ مخلوقٌ ، و بهذا فالقرءانُ مخلوقٌ لأنَّهُ كلامُ جبريلَ عليهِ السَّلامُ ، و هذا باطلٌ من جهةِ اللَّغةِ ، فإنَّ اللهَ تعالى قال : " وإنْ أحدٌ من المشركينَ استجاركَ فأجرهُ حتى يسمعَ كلامَ اللهِ " التَّوبةُ ،، فسمَّى القرءانَ كلامَ اللهِ ، و لايكونُ الكلامُ إلاَّ بصوتٍ مسموعٍ ، لا معاني تقومُ بالنَّفسِ ، تعالى اللهُ عمّا يقولونَ علواً كبيراً ..
2ـ قولُهُ ( المُركَّبُ ) : عرفنا أنَّ المُرَكَّباتِ ثلاثةٌ :
أـ الكلمةُ المفردةُ
ب ـ الجملةُ
ج ـ النّصُّ
فالكلمةُ تتركبُ منالحروفِ ، و الجملةُ تتركبُ من الكلماتِ ، و النّصُّ يتركبُ من الجُمَلِ .
و نزيدُ فنقول : المُركَّبُ عندَ النَّحاةِ قسمانِ :
وقد تكلَّمَ النُّحاةُ في مسألةٍ : هل المُركَّبُ الحُكْميُّ في قوة الحقيقي ؟ والجوابُ : نعم , كلاهما في قوةٍ واحدةٍ , و الدليلُ قولُه تعالى : " و يَا آدمُ اسْكُنْ أنْتَ وزوجُكَ الجنةَ " الآية , فـ"يا": أداةُ نداءٍ ، و" آدمُ" منادى مبنيٌ على الضمِّ في محلِ نصبٍ "اسكن " فعلُ أمرٍ مبنيٌ على السكونِ و الفاعلُ ضميرٌ مستترٌ وجوباً تقديرُهُ : أنت , و " أنت " توكيد لفظي ‘ " وزوجُكَ" زوجُ معطوفٌ على الضميرِ المحذوفِ الذي جعلناه فاعلاً، و عطفُ المذكورِ على المحذوفِ دليلٌ على أنَّ المحذوفَ في قوةِ المذكورِ , و هذا هو الشَّاهدُ على كونِ المركبِ الحُكْمي في قوةِ المركبِ الحقيقي ...
3ـ المُركَّبُ في لغةِ العربِ له صورتانِ :
4ـ قولُهُ ( بالوضعِ ) : يعني بحروفِ الهجاءِ العربيِّ ، و نزيدُ فنقولُ :
الوضعُ نوعانِ :
و هذا فعلَهُ العربُ الفصحاءُ ، فإنّهم جعلوا لكلِ معنىً في الوجودِ لفظاً يدلُّ عليهِ ، فسمّوا الأشياءَ بما يدلُّ عليها ، و أنتَ لو اطَّلعْتَ على معاجمِ اللغةِ ، فإنَّكَ تجدَ العربَ جعلوا لكلِّ شيئٍ اسماً يدلُّ عليهِ ..