(27) دَوْرَةُ شَرْحِ الآجُرُّوُمِيّةِ :

ـ قالَ ابنُ آجُرُّومَ :  فالنَّواصبُ عَشَرَة :
وهي: أَنْ، ولَنْ، وإذنْ، وكَيْ، ولام كي، ولام الجُحُود، وحتى ،والجواب بالفاء والواو وأو.


*الـــــشّـــــرْحُ :

ذَكَرْتُ ما يَتَعَلَّقُ بـ ( أنْ ) النَّاصبةِ بحسبِ ما يقتضيهِ هذا الشَّرْحُ المُخْتصَرُ ، ونستأنفُ باقي النَّواصبِ ، قالَ في المتنِ :   فالنَّواصبُ عَشَرَة : وهي: أَنْ، ولَنْ، وإذنْ، وكَيْ ...الخ ..

( لنْ ) حرفُ نصبٍ ونفيٍ واستقبالٍ، تنفي الحدَثَ الذي دلَّ عليهِ الفعلُ الذي دخلَتْ عليهِ ، و اسْتِقْبالٍ لأنَّ المنفيَ بها يكونُ في المُسْتَقْبلِ ، قالَ تَعالى :  ( وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا ) الجنَّ : 2 ، فـ ( لَنْ ) حرفُ نصبِ و نفيٍ و استقبالٍ ، (نُشْرِكَ ) مضارعٌ منصوبٌ بـ ( لَنْ ) و علامةُ نصبِهِ الفتحةُ الظاهرةُ على آخرِهِ ، و قولُهُ تعالى ( لَنْ تَنالواْ البِرَّ حتَّى تُنْفِقُواْ مِّمَّا تُحِبُّونَ ) القرةُ : 92 ، فـ ( تَنَالُوا ) فعلٌ مضارعٌ منصوبٌ بـ ( لَنْ ) و علامُ نصبِهِ حذفُ النَّونِ لأنَّه من الأفعالِ الخمسةِ ، و واو الجماعةِ ضميرٌ متصلٌ مبنيٌ على السُّكونِ في محلِّ رفعِ فاعلٍ ..

و هنا مسألةٌ أنبِهُ عليها : قالَ الإمامُ الزمخشريُّ : إنَّ ( لَنْ ) تفيدُ النفيَ المؤبدَ ، وهذا غلطٌ ليس صحيحًا ، ( لَنْ ) تفيدُ مطلقَ النَّفيَ ، إلاَّ إنْ اقترنَ بها ما يدلُّ على التأبيدِ ، ومنْهُ قولُهُ تعالى (وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ) البقرة : 95 ، فهُنَا ( لَنْ ) اقترَنَتْ بـ ( أبدًا ) فصارَ النَّفيُّ مُرادًا بهِ النَّفيُّ المُؤبدُّ ، فهذهِ فائدةٌ مهمةٌ جدًا فاعتنوا بها ..

ـ قالَ في المتنِ : و إذنْ ...

هذا النَّاصِبُ الثَّالِثُ الذي يَنْصِبُ بنفسِهِ , وهيَ حرفُ جوابٍ وجزاءٍ ونصبٍ  عند شيخِ النُّحاةِ سيبويهِ ـ نوَّرَ اللهُ قبرَهُ ـ  ولكنَّها لا تنصبُ إلا بشروطٍ ثلاثةٍ:

  • الأوَّلِ : أنْ تكونَ في صدرِ الكلامِ ، يعني :  أنْ يُفتتحُ بها الكلامُ لأنَّها جوابٌ، يعنى :  أقولُ لكَ : سَأزوركُ ، فتجيبُ :  إذنْ أكرمُكَ  , فهنا وقعَتْ في أوَّلِ الجوابِ  
  • والثاني : أنْ يكونَ الفعلُ بعدَها مُسْتقبلًا، يعني : يدلُّ على الاستقبالِ ، فإنْ دلَّ على الحالِ ، وجبُ رفعُ ما بعدَها، لو قلتُ لكَ : سأخبرُكَ بشيءٍ، فأجبْتَني :  إذنْ تَصْدُقُ ، هنا لا يجوزُ النَّصبُ ، لماذا؟ لأنَّ الصدقَ إنَّما وقعَ جوابًا لأمرٍ وقعَ في الحالِ لا في المستقبلِ ، وهذا بخلافِ قولي :  سأزورُكَ إذنْ أكرمُك , إذنْ متى حَصَلَتْ الزيارةُ ؟ في المستقبلِ ، وأمَّا (تَصْدُقُ) فهو الآنَ ، إذنْ نرفعُ الفعلَ بعدَها ،
  • والثالثُ: أنْ لاَّ يفصلَ بينها وبينَ جوابِها فاصلٌ إلاَّ القسمُ ، يعني : يجبُ أنْ تكونَ إذنْ ، متصلةٌ بالفعلِ المضارعِ ، لا يجوزُ الفصلُ بينهما ، لكنْ جَوَّزوا الفصلَ بالقسمِ ،  و منه قول الشَّاعرِ : إذَنْ وَاللهِ نَرْمِيَهُمْ بِحَرْبٍ....... إذن واللهِ نرميَهُمْ ،  نَصبَ الفعلَ مع كونِهِ ماذا ؟ فصلَ بين إذنْ والفعلَ، لكنَّ الفاصل َماهو؟ القسمُ ، ماعدا القسمِ ممنوعٌ , فهذهِ شروطُ النَّصبِ بـ ( إذنْ ) ...

ـ ثمَّ قالَ : وكَيْ ...

هذا الحرفُ الرَّابعُ والأخيرُالذي ينصبُ بنفسِهِ ، والمرادُ بها كي المَصدرية، وهي حرف ُمصدرٍ ونصبٍ، و إنَّما تكونُ مصدريةً إذا تقدَّمَهَا لامُ التَّعليلِ لفظًا أو تقديرًا, (لفظًا) بأنْ ينطقَ بها ، أو (تقديرًا) بأنْ تُحذف وتُنوى ، إذا دخلَتْ عليها اللامُ لفظًا نحو ( لِكَيْلَا تَأْسَواْ على ما فاتَكُمْ ) الحديد : 23 ، ( لِكَيْلا ) اللَّامُ حرفُ جرٍ ، ( كَيْلا ) حرفُ مصدرٍ و نصبٍ ، و اللامُ نافيةٌ ، و ( لِكَيْلا ) أصلُها هكذا : ل كي لا ، لامُ الجرِّ ، كي الناصبةِ ، لا النَّافيةُ .. ( تَأْسَواْ ) فعلٌ مضارعٌ منصوبٌ بـ (كي)، وعلامةُ نصبِهِ حذفُ النّونِ لأنَّه من الأفعالِ الخمسةُ ، و واو الجماعةُ ضميرٌ متصلٌ في محلِّ رفعِ فاعلٍ ..

و تقديرًا كما في قولِهِ تعالى ( كَي لا يكونَ دُلَةً بينَ الأغنياءِ مِنْكُمْ ) الحشر : 7 ، ( كي )  ناصبةٌ ، ( لا ) نافيةٌ ، ( يكونَ )  مضارعٌ منصوبٌ بـ ( كي ) و هنا اللَّامُ مُقَدَّرةٌ في كي ، هذا ما يَتعلقُ بالحروفِ التي تنصبُ بنفسها ...

تم عمل هذا الموقع بواسطة