(25) دَوْرَةُ شَرْحِ الآجُرُّوُمِيّةِ :
ـ قالَ ابنُ آجُرُّومَ : والمضارع ما كان في أوله إحدى الزوائدِ الأربعِ التي يجمَعُهَا قولُك:
أنَيتُ، وهو مرفوعٌ أبدا، حتى يدخُلَ عليه ناصِبٌ أو جازِم، فالنَّواصبُ عَشَرَة : وهي: أَنْ، ولَنْ، وإذنْ، وكَيْ، ولام كي، ولام الجُحُود، وحتى ، والجوابُ بالفاء والواو وأو...
*الـــــشّـــــرْحُ :
هذا هو النَّوعُ الثالثُ من الأفعالِ وهو المُضارعُ ، و سُمِّيَ الفعلُ المضارعُ بذلكَ لأنَّه يُضارعُ أي : يُشابِهُ اسمَ الفاعلِ في حركاتِهِ و سكناتِهِ ، فلو قلْنا : يَضْرِبُ ،و ضَارِبٌ ، نجدُ أنَّ الحركاتِ و السكناتِ واحدةٌ ، فـ : يَضْرِبُ : الياءُ متحركةٌ بفتحٍ و الضادُ ساكنةٌ و الراءُ متحركةٌ بكسرٍ ، و كذلِكَ : ضَارِبٌ : الضادُ متحركةٌ بفتحٍ و الألفُ ساكنٌ و الراءُ متحركةٌ بكسرٍ ، إذنْ : ثمَّةَ تشابهٌ في الحركاتِ و السكناتِ ،و هذهِ نقولُ : مُضارعةٌ أي : مشابهةٌ ، و كذلكَ من جهةِ العملِ الإعرابيِّ نقولُ : ثمَّةَ مشابهةٌ بينَ الفعلِ المضارعِ و اسمِ الفاعلِ من حيثُ العملُ ، و مثالُ ذلكَ : مُحمَّدٌ يَضْرِبُ عليًّا ، هنا ( عليًّا ) مفعولٌ بهِ لـ ( يَضْرِبُ ) و لو قلتُ :
مُحمَّدٌ ضَارِبٌ عليًّا ، ( عليًّا ) نُعْرِبُهُ ماذا ؟ نقولُ : مفعولًا بهِ لاسمِ الفاعلِ ، وهذا يدلُّ على ماذا؟ نقولُ : على أنَّ الفعلَ المُضارِعَ و اسمَ الفاعلِ يَشْتِرِكانِ في العملِ الإعرابيِّ ، وهذا عندنا لهُ بابٌ مُسْتَقلٌ هو بابُ المُشْتَقَّاتِ ، حينئذٍ : الفعلُ المُضارعُ سُمِّيَ بذلكَ لأنَّهُ يُضارعُ اسمَ الفاعلِ في حركاتِهِ و سكناتهِ ، و لأنَّ سمَ الفاعلِ يشابهُهُ في العملِ الإعرابيِّ ، ففيهِ رائحتُهُ وهذا يأتي معنا ..
ـ قالَ ابنُ آجُرُّومَ : والمضارع ما كان في أوله إحدى الزوائدِ الأربعِ التي يجمَعُهَا قولُك: أنَيتُ..
* الـــــشَّـــرحُ :
ذكرَ هنا أنَّ للمُضارعِ علامةً يُعرفُ بها ، وهي علامةٌ من أوَّلِهِ ، و هذا كما قيلَ في الماضي و الأمرِ لهما علاماتٌ يَعرفُ بها كلُّ فعلٍ منهما ، فكذلِكَ الفعلُ المُضارعُ له علامةٌ تُمَيِّزُهُ عن الماضي و الأمرِ ، فقالَ :
ما كان في أوله إحدى الزوائدِ الأربعِ التي يجمَعُهَا قولُك: أنَيتُ..
بمعنى: أنَّه يُزادُ عليهِ من أوَّلِهِ أحدُ حروفِ (أنيت) , وهي : الهمزةُ أو النُّونُ أو الياءُ أو التاءُ، حينئذٍ نقولُ : هذا فعلٌ مضارعٌ، والشَّرطُ هنا أنْ تكونَ الهمزةُ زائدةً، نقولُ : (تَفِلَ) أو (تَفَلَ) في أوَّلِهِ التاءُ، نقول :
هذهِ التاءُ أصليةٌ، والشَّرطُ أنْ تكونَ زائدةً، (نَعَسَ) في أوَّلِهِ النُّونُ، (يَفَعَ) في أوَّلِهِ الياءُ، نقولُ : هذِهِ كلُّها أصليةٌ ، والشَّرطُ أنْ تكونَ زائدةً ، حينئذٍ : إذا تخلَّفَ هذا الشَّرْطُ حكمْنَا عليه بكونِهِ فعلًا ماضِيًا .
و نزيدُ على هذا الشَّرطِ شَرْطًا آخرَ و هو : أنْ تكونَ الأحرفُ الزوائدُ ذاتَ معنى، بمعنى : أنَّها تدلُّ على معنى ، فتكونُ الهمزةُ للمتكلمِ وحدَهُ مُذكرًا كانَ أو مؤنَّثًا، ( ضَرَبَ) تزيدُ عليه الهمزةَ ,و تقول:( أَضْرِبُ )صارَ فعلًا مضارعًا، والنُّونُ أنْ تكونَ للمتكلمِ ومعَهُ غيرُهُ أو للمعظمِ نفسِهِ (نضربُ) ومعي أشخاصٌ، (نضربُ) عظَّمَ نفسَهُ، و الياءُ للغائبِ مطلقًا _مفردا أو مثنى أو جمعا_، وكذا الغائباتِ ، و التّاءُ للمخاطبِ سواءٌ كانَ مذكرًا أو مؤنثًا أو مثنى أو مجموعًا أو دالًا على الغائبةِ, (هندُ تكتبُ) هي ، إذنْ : (هي تكتبُ) التاءُ هنا دلَّتْ على الغائبةِ ، إذنْ الخلاصةُ : أنَّ (أنيتُ أو نأيتُ) إنَّما تكونُ علامةً للفعلِ المضارعِ بشرطينِ : الأول: أنْ تكونَ زائدةً لا أصليةً، فإنْ كانَتْ أصليةً حينئذٍ يكونُ الفعلُ ماضيًا, الشرطِ الثَّاني: أنْ تكونَ دالةً على معنى، حينئذٍ نحكمُ على الفعلِ بكونِهِ مضارعًا..
ـ ثمَّ قالَ ابنُ آجُرُّومَ : ، وهو مرفوعٌ أبدا، حتى يدخُلَ عليه ناصِبٌ أو جازِم ..
يعني : أنَّ الأصلَ في الفعلِ المضارعِ هو الرَّفْعُ مُطْلقًا ، و عاملُ الرَّفعِ فيهِ هو كونُهُ مُتَجَرِدًا عن النَّاصبِ و الجازمِ ، فكُلَّما رأيْتَ فعلًا مُضارِعًا لم يسبقْهُ ناصبٌ أو جازمٌ فقلْ : هذا فعلٌ مضارعٌ مرفوعٌ ، و مثالُ ما كانَ مرفوعًا : قولُهُ تعالى : ( واللهُ يُحبُّ الصَّابرينَ ) آل عمران: 146 ، و نقولُ في إعرابِها :اللهُ : الاسمُ العظيمُ مبتدأٌ مرفوعٌ و علامةُ رفعِهِ الضمَّةُ الظاهرةُ على آخرِهِ ، يحبُّ : فعلٌ مضارعٌ مرفوعٌ لتجردِهِ من النَّاصبِ و الجازمِ ، و علامةُ رفِعِهِ الضمَّةُ الظاهرةُ على آخرِهِ ، و الفاعلُ ضميرٌ مستترٌ جوازًا تقديرُهُ : هو ، عائدٌ على الاسم الكريمِ ( اللهُ ) ، الصًّابرينَ : مفعولٌ بهِ منصوبٌ و عاملُ النَّصب فيهِ هو ( يُحبُّ ) و علامةُ نصبِهِ الياءُ لأنَه جمعُ مذكرٍ سالمٌ ، و الجملةُ الفعليةُ( يُحبُ الصَّابرينَ ) في محلِّ رفعِ خبرِ المبتدأِ ( اللهُ ) ..
و الشّاهدُ هنا : الفعلُ ( يُحبُّ ) فإنَّهُ جاءَ مرفوعًا لتجردِهِ من النَّاصبِ و الجازمِ ..
ـ و قولُهُ تعالى ( أتَعْجبينَ من أمرِ اللهِ ) هود : 73 ، فــ ( أتَعْجَبينَ ) فعلٌ مضارعٌ مرفوعٌ لتجردِهِ من ناصبٍ وجازمٍ ، و علامةُ رفعِهِ ثبوتُ النّونِ لأنَّهُ من الأفعالِ الخمسةِ ، ياءُ المخاطبةِ ضميرٌ متصلٌ مبنيٌ على السُّكونِ في محلِّ رفعِ فاعلٍ ، ومنهُ قولُ العاشقِ :
إذا قلت : ما بي يا بثينة قاتلي *** من الحب قالت : ثابت ويزيد
وإن قلت : ردي بعض عقلي أعش به *** تولت وقالت : ذاك منك بعيد
فلا أنا مردود بما جئت طالبا *** ولا حبها فيما يبيد يبيد
و الشاهد : يزيد ، يبيد ، فهذه أفعال مرفوعةٌ لتجردها من ناصبٍ و جازمٍ ..