(24) دَوْرَةُ شَرْحِ الآجُرُّوُمِيّةِ :
ـ قالَ ابنُ آجُرُّومَ : والأمرُ مجزومٌ أبدًا ..
*الـــــشّـــــرْحُ :
هذا على مذهبِ نحاةِ الكوفةِ أنَّه مجزومٌ وليْسَ مَبنيًا , والجزمُ إعرَابٌ و ليْسَ بِناءً، والكوفيون يقولونَ إنَّ الأمرَ جزءٌ من المُضارعِ , ومثالُه : اضْرِبْ , هذا أمرٌ , قالوا : أصْلُهُ : لِتَضْرِبْ , و لكنْ معَ كثرةِ الاسْتِعْمالِ لابُدَّ من التَّخفيفِ لسُهُولةِ النُّطقِ , فحذفوا لامَ الأمرِ , فصَارَ : تَضْرِبْ , فصَارَ أشْبَهَ بالمضارعِ , فحذفوا التَّاءَ فصار : ضْرِبْ , لكنْ بهذهِ الصورةِ لنْ نتمكنَ من النُّطقِ بهِ , فزادوا في أوَّلِهِ ألفَ الوصلِ للتمكنِ من النطقِ بهِ , فصَارَ : اضْرِبْ ، قالوا : وبهذا الأمرُ جزءٌ مقتطعٌ من المضارعِ ، والمضارعُ مُعْرَبٌ و كذلك الأمرُ معربٌ مثلُهُ لآنَّه تابعٌ له و ليسَ مستقلًا بنفسِهِ ...
ـ لكنْ لا نُسَلِّمُ للكُوفيينَ بذلكَ ، وقد ذكرْتُ في الشَّرحِ المُوسَّعِ تفصيلَ هذهِ المسألةِ والردَّ على الكوفيينَ ، على كلِ حالٍ نقولُ : الأمرُ مبنيٌ على الصَّحيحِ كما هو قولُ سيبويهِ و جمهور النُّحاةِ ..
ـ و أحوالُ بناءِ الأمرِ ثلاثةٌ :
** الحالةُ الأولى : البناءُ على السُّكونِ ..
وهذا إذا كانَ صحيحَ الآخرِ ولم يَتَّصلْ بهِ شيٌ ، و منه قولُهُ تعالى : ( قُلْ هُوَ اللهُ أَحْدٌ ) الإخلاص : 1 ، فـ ( قُلْ ) فعلُ أمرٍ مبنيٌ على السُّكونِ ، والفاعلُ ضميرٌ مستترٌ وجوبًا تقديرُهُ : أنتَ ، و على هذا فقسْ كلَّ أمرٍ صحيحَ الآخرِ ..
و كذلكَ لو اتَّصلَ بهِ نونُ الإناثِ فإنَّهُ يُبْنى على السُّكونِ ، و مثالُهُ : قولُهُ تعالى : ( وَقُلْنَ قولًا مَعْروفًا ) الأحزاب : 32 ، فـ ( قُلْنَ ) فعلُ أمرٍ مبنيٌ على السُّكونِ ، و نونُ الإناثِ ضميرٌ مبنيٌ على الفتحِ في محلِّ رفعِ فاعلٍ ..
حينئذٍ نقولُ : كلُّ فعلِ أمرٍ كانَ صحيحَ الآخرِ و لم يتَّصلْ بهِ شيٌ ، أو كانَ مختومًا بنونِ الإناثِ ، هذا نقولُ : مبنيٌ على السُّكونِ ...
** الحالةُ الثانيةُ : البناءُ على حذفِ حرفِ العلةِ ..
إذا كانَ معتلَّ الآخرِ بالألفِ أو الواوِ أو الياءِ ، فإنّهُ يكونُ مبنيًا على حذفِ الحرفِ ، و من ذلكَ قولُهُ تعالى ( فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حينٍ ) الصّافات : 174 ، فـ ( تَوَلَّ ) فعلُ أمرٍ مبنيٌ على حذفِ حرفِ العلةِ ، و هو الألفُ هنا ، و أصلُهُ : تَوَلَّى ، لكنْ لمَّا تَحولَّ لصيغةِ الأمرِ حَذَفْنا حرفَ العلةِ ..
و قولُهُ تعالى ( ادْعُ إلى سبيلِ رَبِّكَ ) النحل : 125 ، ( ادْعُ ) فعلُ أمرٍ مبنيٌ على حذفِ حرفِ العلةِ ، و هو هنا الواو ، فالأصلُ : يدعو ، لكنْ صيغةُ الأمرِ اقتضَتْ الحذفَ ..
و قولُهُ تعالى ( يأيُّها النَّبيُّ اتَّقِ اللهَ ) الأحزاب : 1 ، ( اتَّقِ ) فعلُ أمرٍ مبنيٌ على حذفِ حرفِ العلةِ ، و هو الياءُ هنا ، فالأصلُ : يَتَّقي ، و هكذا نقيسُ ...
**الحالةُ الثالثةُ : البناءُ على حذفِ النُّونِ ..
وذلكَ إذا اتَّصَلَتْ بهِ ألفُ الاثنينِ أوْ واوُ الجماعةِ أو ياءُ المؤنثةِ المُخاطبةِ, مثلُ ماذا ؟ اضْرِبا و اضْربوا و اضْربي ، هذهِ الثلاثةُ أمرٌ مبنيٌ على حذفِ النُّونِ و الألفُ فاعلٌ ، والواو فاعلٌ والياءُ فاعلٌ ..
و منه قولُهُ تعالى ( و أقِيمُوا الصَّلاةَ ) البقرة : 43 ، ( أقِيمُوا ) فعلُ أمرٍ مبنيٌ على حذفِ النَّونِ لأنَّه متصلٌ بواوِ الجماعةِ ، و الواو ضميرٌ مبنيٌ على السُّكونِ في محلِّ رفعِ فاعلٍ ..
و قولُهُ تعالى ( فَكُلي واشْرَبي و قَرَّي عينًا ) مريم : 26 ، ( كُلي ، اشْرَبي ) فعلُ أمرٍ مبنيٌ على حذفِ النّونِ ، و الياءُ ضميرٌ مبنيٌ على السُّكونِ في محلِّ رفعِ فاعلٍ ، هذا مختصرٌ لأحوالِ بناءِ فعلِ الأمرِ و الله الموفقُ ..