(2) دَوْرَةُ شَرْحِ الآجُرُّوُمِيَّةِ :
ـ قالَ ابنُ آجُرُّومَ : الكَلامُ هو : اللَّفْظُ المُرَكَّبُ المُفِيدُ بالوَضْعِ ..
*الــــــشَّرحُ :
ـ الكلامُ أو اللُّغةُ هي :" أصواتٌ يُعبِّرُ بها كُلُّ قومٍ عن أغراضِهم "[1].
وسواءٌ قلنا اللُّغةُ أو الكلامُ فلا حرجَ ، لأنَّنا نتحدثُ عن وسيلةِ التخاطبِ و التفاهمِ بين المجموعةِ البشريةِ ، وكلا اللفظينِ يَصْدُقُ عليهِ أنَّهُ وسيلةُ التفاهمِ .
ـ هذهِ الوسيلةُ التي يتواصلُ بها النَّاسُ وضعَ لها النَّحاةُ أوصافاً فقالوا :
هي : " اللَّفْظُ المُرَكَّبُ المُفِيدُ بالوَضْعِ " ، حينئذٍ نقولُ : عندنا مصطلحٌ نحوي و هو : الكلامُ ، أي : الوسيلةُ التي يتواصلُ بها النَّاسُ ، هذا المصطلحُ يحتاجُ بياناً و إيضاحاً ليفهمَ المُتَعلِّمُ معناهُ ، و هذا الإيضاحُ يسمَّيهِ العلماءُ : قولاً شارحاً ، أينَ القولُ الشارحُ ؟
نقولُ : هو تلكَ القيودُ التي ذكرها ابنُ آجُرُّومَ بقولهِ :
" اللَّفْظُ المُرَكَّبُ المُفِيدُ بالوَضْعِ " ، فإذا قالَ قائلٌ : و ما فائدةُ القولِ الشَّارحِ ؟ و الجوابُ أنْ نقولَ : فائدةُ القولِ الشَّارحِ حمايةُ المُتَعلِّمِ من التَّوهمِ و اللَّبسِ و سوءِ الفَهْمِ ..
ـ قالَ ابنُ آجُرُّومَ : الكلامُ هو : اللَّفظُ ...الخ ..
ـ و اللَّفظُ هو : كُلُّ ما ينطقُ بهِ اللِّسانُ ، و هو قسمانِ :
1ـ القسم ِالأولِ : الحروفُ الهِجائيةُ : وهي حروفُ الهِجاءِ العربي ، و عددُها ثمانيةٌ وعشرونَ حرفاً في المشهورِ من كلامِ النَّحاةِ ، وزادَ سيبويهِ حرفاً و هو الهمزةُ و نكتبُها هكذا ( أ ) وهي حرفٌ يقبلُ كلَّ علاماتِ الإعرابِ ، فصارَ عددُ حروفِ الهِجاءِ تسعةٌ وعشرونَ حرفاً و هو الأصحُّ و بهِ قالَ طائفةٌ من النَّحويينَ كأبي عمروٍ الدَّاني ..
ـ و حروفُ الهجاءِ مرتبةٌ بالطريقةِ الأبجديةِ كما يلي :
أ ب ج د هـ و ز ح ط ي ك ل م ن س ع ف ص ق ر ش ت ث خ ذ ض ظ غ ، و هذهِ الحروفُ هي مجموعُ ثمانيَ كلماتٍ :
أبجد هوَّز حُطّي كلَمُن سَعْفَص قُرِشَت ثَخَدٌ ضَظَغ ...
ـ و الكلماتُ الستُّ الأولى : أبجد هوَّز حُطّي كلَمُن سَعْفَص قُرِشَت ، هي أسماءٌ لملوكِ اليمنِ وكان رئيسُهم كلَمُن ، و قد أهلكهم اللهُ في عذابِ الظُّلَّةِ المذكورِ في قولِهِ تعالى: ﴿ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾ والظُّلة : سحابة فيها ريح باردة ، خرج إليها قوم شعيب ليستظلّوا بها من شدة الحر الذي سلطه الله عليهم في بيوتهم انتقاماً منهم ، فلما اجتمعوا تحتها أحرقهم الله بهذهِ السَّحابةِ ..
ـ ثمَّ جاءَ نصرُ بنُ عاصمٍ الليثي ، فأعادَ ترتيبَ هذهِ الحروفِ بالطريقةِ
الألفبائيةِ هكذا : أ ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ض ط ظ ع غ ف ق ك ل م ن هـ و ي , فهذهِ طريقةُ نصرِ بن عاصم وهي الأشهر ..
2ـ القسمِ الثاني : أي من اللفظِ المنطوقِ وهو : الحركاتُ الأصليةُ : وهي حركاتٌ ثلاثٌ : الضمَّةُ ، و الفتحةُ ، و الكسرةُ ، و هذهِ هي حركاتُ الإعرابِ التي تظهرُ على أوآخرِ الكلماتِ المُعْربَةِ ..
و الضمةُ بعضُ الواوِ ، فلو أنَّكَ نطقتَ الضمةَ و أطلْتَ زمنَ النطقِ بها ، فإنّها تتحولُ واواً ، و كذلكَ الفتحةُ بعضُ الألفِ و الكسرةُ بعضُ الياءِ ،و بهذا فالمرادُ باللفظِ في كلامِ ابنِ آجُرُّومَ هو حروفُ الهجاءِ و الحركات الإعرابيةُ التي تظهرُ على أوآخرِ الكلماتِ ..
ـ ثمَّ قالَ ابنُ آجُرُّومَ : الكلامُ هو اللَّفظُ المركبُ ..الخ ..
عندنا تسعةٌ وعشرونَ حرفاً عربياً ، هم أساسُ التركيبِ العربيِّ ، فالكلمةُ المفردةُ تتركب من بعضِ الحروفِ و مثال ذلك :
زيد ، هذهِ كلمةٌ تركَّبَتْ من ثلاثةِ حروفٍ : الزاي ، الياء ، الدال ، وهذهِ أوَّلُ صورِ المركبِ في لغتنا الفُصحى ،
و الصورةُ الثانيةُ : الجملةُ ، فإنها تتركَّبُ من كلمتينِ أو أكثرَ ، و مثاله : قولُهُ تعالى : ﴿ اللهُ الصَّمَدُ ﴾ سورةُ الإخلاصِ ، فهذِهِ جملةٌ اسميةٌ من كلمتينِ .
و الصورةُ الثالثةُ من المركبِ في الفُصحى : النصُّ العربي ، و هو مجموعةٌ من الجُمَلِ العربيةِ و منه :
قولُهُ تعالى : ﴿ الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ . الرحمنِ الرحيمِ . مالكِ يومِ الدِّينِ . إيَّاكَ نعبدُ وإيٍّاكَ نستعينُ ﴾ سورةُ الفاتحةِ ، فهذا نصٌّ عربيٌ قرآنيٌ ، و على هذا نقولُ : المُركَّبُ عندَ النَّحاةِ لَهُ صورٌ ثلاثٌ :
1ـ الكلمةُ المفردةُ : و تتركبُّ من بعضِ الحروفِ ، لكن نقولُ : هذهِ الكلمةُ المفردةُ ليسَتْ موضوعَ نظرِ النُّحاةِ ، إنّما النَّحاةُ يبحثونَ في الجملةِ و النَّصِ ..
2ـ الجملةُ العربيةُ : و هي مركبٌ من بعضِ الكلماتِ و هي موضوعُ نظرِ النُّحاةِ .
3ـ النَّصُّ العربيُّ : وهو مركبٌ من بعضِ الجُمَلِ ..
ـ و التعريفُ الشائعُ للمُرَكَّبِ عند النُّحاةِ هو : ما تكوَّنَ من كلمتينِ فأكثرَ ، وهو تعريفٌ مُجْملٌ للتركيبِ عند النُّحاةِ ، و الذي ذكرتُهُ لكم هو تفصيلُ كلامِ النَّحاةِ فلا إشكالَ ..
ثُمّ قَالَ ابنُ آجُرُّومَ : الكلامُ : هو اللَّفظُ المركبُ المفيدُ .. الخ ..
المُفيدُ : هو: الذي إذا سمعتَهُ فهمْتَ منه مقصودَ المُتكلمِ ، ولاشكَّ أنَّ هذهِ الفائدةُ لا تتحققُ إلاَّ بكلامٍ مكونٍ من كلمتينِ فأكثرَ ، ومثالُهُ : قولُهُ ـ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ـ : " شفاعتي لمَنْ قالَ لا إله إلاَّ اللهُ خالصاً من قلبِهِ " رواه مسلمٌ عن أبي هريرةَ ، فإنَّكَ إذا سمعْتَ ذلكَ فهمْتَ أنَّ شفاعةَ الرسولِ ـ صلى الله عليهِ وسلَّمَ ـ تكونُ لأهلِ التَّوحيدِ الخالصِ ، الذين تركوا الشِّركَ بكلِّ صورهِ و أنواعِهِ ، فهذا مثالُ ما أفادَ عندَ النَّحاةِ ..
ـ ثمَّ قالَ ابنُ آجُرُّومَ : الكلامُ : هو اللَّفظُ المركبُ المفيدُ بالوضعِ ..
الوضعُ : هذا هو القيدُ الرابعُ و الأخيرُ , و المرادُ بهِ : " أن يكون الكلامُ باللفظ العربي " فلو قلتُ لكَ : كيف حالك يا أخي ؟ فأجبتني قائلا : very well , thank you " أنا بخير أشكرك" هذا لا يُعدُّ كلاماً عند النُّحاةِ ، مع أنَّه لفظٌ و مركبٌ و مفيدٌ , إلاَّ أنَّه فقدَ قيداً اشترطَهُ النَّحاة , لابُدَّ من كلماتٍ عربيةٍ خالصةٍ ...
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1]ابن جني ، الخصائص ج 1 ص 23 ..