(18) دَوْرَةُ شَرْحِ الآجُرُّوُمِيّةِ :
ـ قالَ ابنُ آجُرُّومَ : الذي يُعْرَبُ بالحروفِ أربعةُ أنواعٍ :
المُثَنَّى ، و جَمْعُ المُذَكَّرِ السَّالمُ ، و الأسماءُ الخَمْسَةُ ، و الأفعالُ الخمسةُ وهي :
يَفعَلانِ ، و تَفْعَلانِ ، و يَفْعَلُونَ ، و تَفْعَلونَ ، و تَفْعليْنَ ..
* الشــــــــــــــــــرح :
وبعض النحاة يُسمَّيهِ الجَمْعَ الصَّحِيحَ ، و وصفُهُ بكونِهِ الصَّحِيحَ لماذا ؟ نقول ُ : في مقابلةِ جَمْعِ المُكَسَّرِ، هناكَ جَمْعُ المُكَسَّرِ " ما كُسِّرَ مُفْردُهُ في الجَمعِ " مثل :
رَجُلٍ و رجَالٍ ، كما ذكرنا، يقابله ماذا ؟ الجمعُ الصَّحِيحُ الذي سَلِمَ المُفردُ كما هو، لم يَزِدْ عليه حرفٌ ولم يَنقُص منه حرفٌ ولم يَتبدَّلْ أو يَتغيرْ شكلُهُ ، يعني الحركات، وهذا يُسمَّى الجمعَ الصَّحِيحَ ، يعنى : الذي صَحَّ فيه واحدُهُ ، ( مسلمٌ ) قلنا هذا يُجمَعُ على (مسلمون) ، بقي كما هو، (مؤمنٌ) جُمِعَ على (مؤمنون) كما هو بقي المفرد ، سلم المفرد في الجمع ، لم يَزِدْ فيه حرفٌ ولم يَنقُص منه حرفٌ ولم يتبدَّلْ فيه حركة البتة ، وإنما زِيدَ في آخره الواوُ والنَّون ، ولذلك يُسمَّى "جمعَ السًّلامة " ...
و قد عرَّفه النَّحاة بأنَّه :
"ما دلَّ على أكثرَ من اثنين بزيادةٍ في آخرِهِ ، صالح ٍللتجريد ، وعَطْفِ مثلِهِ عليهِ" ...
متى ما تحقَّقَتْ هذه الضوابطُ فهو الجَمْعُ الصَّحِيحُ ، ومتى ما انتفت أو انتفى بعضها فليس بجمعِ تَصْحِيحٍ ، وإنْ وُجِدَ ما أُعرِبَ في لسانِ العربِ بالواو والنَّون أو الياءِ والنَّونِ ، كـ (ابن) إذا جُمِعَ على " بنون " أو (عشرون) إذا جُمِعَ بواوٍ ونونٍ ، فيُعرب إِعْرابَ جَمْعِ المُذَكَّرِ السَّالمِ، وإنْ لم تتحقق فيه هذه الضوابطُ فهو مُلْحقٌ، ولذلك نقول :
الإعرابُ أو التَّعريفُ إنَّما يكونُ للجَمْعِ الحقيقي، فإذا وُجِدَ في لسانِ العربِ ما أُعرِبَ إِعرابَ جَمْعِ التَّصْحِيحِ فهو ملحقٌ بهِ ، حينئذٍ يكون التَّأصِيلُ لبيانِ الجَمْعِ الحقيقي :
** "ما دلَّ على أكثرَ من اثنينِ" : خرج ما دَلَّ على الواحدِ، وما دَلَّ على اثنينِ كذلك ، وما دَلَّ على أكثرَ من اثنتينِ فليس بجَمْعِ المُذَكَّرِ السَّالمِ .
** " بزيادةٍ في آخرِهِ" : يعني بسببِ زيادةٍ في آخرِهِ ، وهذا فَرْقٌ بين جمْعِ المُذَكَّرِ السَّالمِ وبين جمْعِ المُكَسَّرِ ، جمْعُ المُكَسَّرِ يدلُّ على الجمعيةِ بذاتِهِ و بصيغتِهِ، وأمَّا جمْعُ المُذَكَّرِ السَّالمِ فيدلُّ بالزيادةِ ، كما قلنا (مؤمن) قلنا (مؤمنون)بسببِ هذه الزيادة (الواو والنون) دلَّ على الجمعيةِ ، (مؤمن) واحد ، (مؤمنة) واحدة ، هذا الأصل ، فإذا قلت (مؤمنون) دلَّ على أكثرَ من اثنينِ ، يعني ثلاثةٍ فأكثرَ وهو أقلُّ الجمْعِ، أما (المؤمنة) فهذا يجمع بألف وتاء، إذن بزيادة في آخره، فإذا لم يكن ثمة زيادة فليس بجمع تصحيح .
** " صالحٍ للتجريدِ" : عن هذه الزيادةِ ، يعني أن تُحْذَفَ هذه الزيادةُ ، فإذا لم يَصْلُحْ لأَنْ يُجرّدَ عن الزيادةِ فليس بجمعِ تصْحِيحٍ ، فمثلا (عشرون) وبابه (ثلاثون، أربعون، خمسون، إلى التسعين) هذا يُعرَبُ إِعرَابَ جمعِ المُذَكَّرِ السَّالمِ ، لكنَّه ليس بجمعِ المُذَكَّرِ السَّالمِ، لماذا ؟ لكونِهِ لا يَصْلُحُ أَنْ يُجَرًّدَ عنه الواو والنَّون ، (هذه عشرون) وعشرون مرفوع بالواو، لماذا؟ لأنَّه مُلحقٌ بالجمعِ، إذن هو ليس بجمع ولكنه ملحق بالجمع، لماذا ؟ لأنَّ شَرْطَ جَمْعِ التَّصْحِيحِ أَنْ تُحذَفَ الواو والنَّونُ ثمَّ يَصِّحُ اللفظُ كما هو، وهل يَصِّحُ أنْ نقولَ: (عِشْر) ليْس عندنا (عِشْر) حينئذٍ : ما لم يَصْلُحْ للتجريدِ فليس بجمعِ تصحيحٍ ..
**"وعَطْفِ مثلِهِ عليهِ" : إذا قلتُ (زيدون) هذا علمٌ على شخصٍ ، هذا في الأصلِ جمعٌ ،لكن مدلوله واحد ، لأنَّه صار اسماً لشخصٍ بعينه ، وإذا كان مدلوله واحدا فشرط جمع التصحيح أن يكون مدلولُه ثلاثةً فأكثرَ، إذن ليس بجمعِ تَصْحِيحٍ ،لأنَّه لا يصِّح أَنْ تقولَ : زيد ، و زيد ، و زيد ، لأنَّه ليس عندك إلّا واحد، شخصٌ مسمَّاه واحدٌ، فلمَّا لمْ يَصْلُحْ أَنْ يُعطفَ عليهِ مثلُه ، حينئذ نقول هذا ملحق بجمع التصحيح ..
و مثالُ ما اجتمعَ فيهِ شرطُ جمعِ المُذكَّرِ السَّالمِ قوله تعالى :
(قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ) آية 1سورة المؤمنون ، فـ ( المؤمنون ) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الواو نيابةً عن الضمة لأنَّه جمع مذكرسالم ، و قوله تعالى : ( إنَّ اللهَ يُحِبُّ المُتقينَ ) آية 4 سورة التوبة ، فـ ( المُتقينَ ) مفعول به منصوب ، و علامة نصبه الياء نيابةً عن الفتحة لأنَّه جمع مذكر سالم ، و قوله تعالى : (وذلك جزاءُ المُحْسِنينَ ) المائدة 85 ، فـ ( المُحْسِنينَ ) مُضاف إليه مجرور ، و علامة جرِّهِ الياء نيابةً عن الكسرة لأنَّه جمع مذكر سالم ...