(12) دَوْرَةُ شَرْحِ الآجُرُّوُمِيَّةِ :
ـ قالَ ابنُ آجُرُّومَ : الإِعْــــــــــرَابُ: هُوَ تَغْييرُ أوآخرِ الكَلِم،لاختلافِ العواملِ الداخلةِ عليها لفظًا أو تقديرًا ..
*الــــــــــــشَّــرْحُ :
تكلمْنا عن الإعرابِ و معناه عندَ النَّحْويينَ ، وعرَفْنا أنَّهُ حالةٌ من التغيُّرِ تُصيبُ شكلَ الحرفِ الآخيرِ من الكلمةِ ، و أنَّ هذا التغيُّرَ له عاملٌ ، يعني : سببٌ مؤثرٌ ،وأنَّهُ إمَّا إِعْرَابٌ ظاهرٌ منطوقٌ باللسانِ ، و إمَّا مُقَدَّرٌ منويٌ بالقلبِ ..
و الإعْرَابُ المُقَدَّرُ يدْخُلُ أرْبَعَةَ أبوابٍ :
و نحنُ نقولُ عن الاسمِ المقصورِ إنَّهُ اسمٌ مُعْرَبٌ ، فلا وجودَ لهُ في الأسماءِ المبنيةِ ، ونقولُ : إنَّهُ مختومٌ بألفٍ ، يعني آخرُهُ ألفٌ ، مثلُ : الفتى ، و هذهِ الألفُ لازمةٌ ،يعني : لا تنفكُّ عن الاسمِ ، بخلافِ ألفِ المُثنى فإنَّها تفارقُهُ في حالةِ الجمعِ ، نقولُ : جاءَ الزيدانِ ، فـ ( جاءَ ) فعلٌ ماضٍ و ( الزيدانِ ) فاعلٌ مرفوعٌ وعلامةُ رفعِهِ الألفُ لأنَّه مُثنى ، لو قلتُ : جاءَ الزيدونَ ، أينَ الألفُ ؟ نقولُ : انفكَّتْ عن الفاعلِ لأنَهُ صارَ جمعًا سالِمًا ، إذن : ألفُ الاسمِ المقصورِ لازمةٌ له ، و قلْنا : إنَّها مفتوحٌ ما قبلَها ، فكلمةُ : الفتَى ، الألفُ قبلَها حرفُ التاءِ و هو مفتوحٌ ،يعني : عليهِ فتحةٌ ، و هذا الفتحُ لازمٌ لا مَفَرَّ منه لصحةِ النُّطقِ ، فلو نطقَ اللسانُ بالكلمةِ فإنَّهُ سَيُعْطي حرفَ التاءِ الفتحَ مُجْبَرًا على ذلكَ ، لأنَّ الألفَ لا يقبلَ إلا فتحَ ما قبلَهُ و هذا مقررٌ في علمِ الأصواتِ ، فهذِهِ قاعدةُ الاسم المقصورِ ..
ـ و الاسمُ المقصورُ نُقَدِّرُ عليهِ كلَّ الحركاتِ الإعرابيةِ ، فنقولُ : جاءَ الفتى ، و رأيْتُ الفتى ، و مَرَرْتُ بالفتى ،
فـ ( الفتى ) في المثالِ الأوَّلِ : فاعلٌ مرفوعٌ و علامةُ رفعِهِ الضمَّةُ المُقَدَّرَةُ على الألفِ للتَّعَذُّرِ ، ماهو التَّعَذُّرُ ؟ هو الاستحالةُ ، أيُّ استحالةٍ ؟
نقولُ : استحالةُ ظهورِ الحركاتِ الإعرابيةِ على الألفِ ، لماذا ؟ لأنَّ الألفَ حرفُ علةٍ , والعِلَّةُ مرضٌ ، فالألفُ مريضٌ لا يستطيعُ حملَ الضمةِ و لا الفتحةِ و لا الكسرةِ ، و علةُ الألفِ هي السُّكونُ الملازمُ له ..
و الـ ( الفتى ) في المثالِ الثاني : مفعولٌ بهِ منصوبٌ وعلامةُ نصبِهِ الفتحةُ المُقَدَّرةُ على الألفِ للتَّعَذُّرِ ، وعلى ذلكَ فقس كلَّ مقصورٍ ، و الاسمُ المقصورُ سُمِّيَ بذلكَ لأنَّ القَصْرَ معناهُ الحبسُ والمنعُ ، و كلُّ مقصورٍ يَمْتَنِعُ ظهورُ الحركاتِ الإعرابيةِ عليهِ ، فهو مقصورٌ أي ممنوعٌ من حملِ الحركاتِ الإعرابيةِ ..
و المنقوصُ أيضًا لا وجودَ في الأسماءِ المبنيةِ ، بل كلُّهُ معربٌ ، و كذلكَ ياؤهُ لازمةٌ لا تقارقُهُ البتةَ ، و هذا بخلافِ ياءِ المُذَكَّرِ السَّالمِ فإنَّها تفارقُهُ في حالةِ الرَّفعِ ، نقولُ : رأيْتُ المُحَمَّدِينَ ، فـ ( رأيْتُ ) فعلٌ ماضٍ مبنيٌ على السُّكونِ و التاءُ ضميرٌ مبنيٌ على الضمِّ في محلِّ رفعِ فاعلٍ ( المُحَمَّدِينَ ) مفعولٌ بهِ منصوبٌ و علامةُ نصبِهِ الياءُ لأنَّهُ جمعُ مذكرٍ سالمٌ ، فإذا قلْتُ : جاءَ المُحَمَّدونَ ، أينَ الياءُ ؟ نقولُ : انفكَّتْ عن الفاعلِ لأنَّه صارَ في حالةِ الرَّفعِ ، وهذا بخلافِ ياءِ المنقوصِ فهي لازمةٌ له .. و ياءُ المنقوصِ مكسورٌ ما قبلَها لأنَّ الياءَ لا يُناسبُها إلا كسرَ الحرفِ الذي قبلها للعِلَّةِ الصوتيةِ التي ذكرْتُها في المقصورِ ، فهذهِ مسألةٌ صوتيةٌ مَحْضَةٌ ..
و المنقوصُ تُقَدَّرُ عليهِ الضمَّةَ و الكسرةَ و تَظْهَرُ عليهِ الفتحةّ ، فنقولُ : جاءَ القاضي ، ومَرَرْتُ بالقاضي ، و رأيتُ القاضيَ ، فـ ( القاضي ) في
المثالِ الأوَّلِ فاعلٌ مرفوعٌ و علامةُ رفْعِهِ الضمَّةُ المُقَدَّرةُ للثِقَلِ ، ما هو الثِّقَلُ ؟
نقولُ : هو استثقالُ اللسانِ للنُّطقِ بالحركةِ الإعرابيةِ ، فالحركةُ ثقيلةٌ ليسَتْ خفيفةَ عليهِ ، فلذلكَ لا ينطِقُ بها طلبًا لخفةِ النُّطقِ ، ففي إعْرَابِ المنقوصُ نقدِّرُ الضمَّةَ و الكسرةِ لعلةِ الثِقَلِ ، و أمّا ( رأيْتُ القاضيَ ) فالقاضيَ مفعولٌ بهِ منصوبٌ و علامةُ نصبِهِ الفتحةُ الظاهرةُ على آخرِهِ ..
و المنقوصُ سُمِّيَ بذلكَ لأنَّهُ كما نرى لا يكتملُ ظهورُ الحركاتِ الإعرابيةِ عليهِ ،بل يظهرُ عليهِ الفتحةُ و يُصيبُهُ نقصٌ في الضمَّةِ و الكسرةِ ، و قيلَ لأنَّ الياءَ تنقصُ منه في بعضِ أحوالِهِ و هذا يأتي معنا في المقالِ القادمِ إنْ شاءَ اللهُ ...