(11) دَوْرَةُ شَرْحِ الآجُرُّوُمِيَّةِ :
ـ قالَ ابنُ آجُرُّومَ : الإِعْــــــــــرَابُ: هُوَ تَغْييرُ أوآخرِ الكَلِم،لاختلافِ العواملِ الداخلةِ عليها لفظًا أو تقديرًا ..
*الــــــــــــشَّــرْحُ :
مَرَّ معنا في المقالِ السَّابقِ معنى قولِ ابنِ آجُرُّومَ : ( الإِعْرَابُ هُوَ تَغْييرُ أوآخرِ الكَلِم ) ، ثمَّ قالَ ـ رَحِمَهُ اللهُ ـ : ـ لاختلافِ العواملِ الداخلةِ عليها ..الخ ..
يعني : هذا التَّغَيُّرُ الذي يُصِيبُ شكلَ الحرفِ الآخيرِ من الكلمةِ يكونُ عن عاملٍ إعرابيِّ ، لأنَّهُ يُوجَدُ كلماتٌ يتغيَّرُ شكلُ آخرِها ، و لكنَّ هذا التَّغيُّرَ لاختلافِ لَهْجَاتِ العربِ في نُطقِها ، و ليسَ لأنَّها معربَةٌ.
و مثالُ ذلكَ : ( حيثُ ) فإنَّ العربَ تنطقُها بِلَهْجَاتٍ مختلفةٍ ، فمنهم من يَجْعلُها على الضمِّ فيقولُ : ( حيثُ ) و منهم من يَجْعلُها على الفتحِ ( حيثَ ) و منهم من يجعلُها على الكسرِ ( حيثِ ) ، فحرفُ الثاءِ تغيرَ بضمٍّ و فتحٍ و كسرٍ ، و هذا التَّغيُّرُ لحِقَ آخرَهُ ، ومع ذلكَ فالكلمةُ ليسَتْ معربةً بل مبنيةٌ في كلِّ أحوالِها ، لأنَّ التغيُّرَ لم يكنْ عن عاملٍ إعرابيٍّ .
ومثالُ ذلكَ: قولُهُ تعالى (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ) الأنعام :1 ..
ـ فـ ( الحَمْدُ ) مبتدأٌ مرفوعٌ ، ما الذي جعلَهُ مرفوعًا ؟ نقولُ : عاملُ الابتداءِ ، فكونُ الكلمةِ وقغَتْ في أوَّلِ الكلامِ ، فإنَّ هذا يُوجِبُ رفْعَها ، و قولُهُ ( للهِ ) الاسمُ العظيمُ في آخرِهِ كسرةٌ ، ما الذي جلبَ الكسرةَ تحتَ آخرِهِ ؟ نقولُ : حرفُ الجرِّ ، و هو اللاَّمُ ، و هذا الجارُّ و المجرورُ مُتَعلقٌ بمحذوفٍ ، هذا المحذوفُ هو خبرُ المبتدأ ، حينئذٍ نقولُ : ضمَّةُ الرفعِ في المبتدأ ( الحَمْدُ ) جلبَها عاملٌ إعرابيٌ ، و كسرةُ الجَرِّ في الاسمِ العظيمِ ( للهِ ) جلبَها عاملٌ إعرابيٌ و هو حرفُ الجرِّ ..
ـ و العاملُ الإعرابيُّ عَرَّفَهُ النُّحاةُ بقولهم : ( ما أوجبَ الكلمةَ على وزنٍ مخصوصٍ من رفعٍ أو نصبٍ أو جَرٍ أو جزمٍ ) يعني : الكلمةُ تأتي مرفوعةً أو منصوبةً أو مجرورةً ، و هذا الرَّفعُ أو النصبُ أو الجرُّ ، ما الذي أحدثهُ ؟ الجوابُ : العاملُ ، العاملُ هو الذي يرفعُ و ينصبُ و يجرُّ و يجزمُ ، لأنّه ما أثرٍ إلاَّ وله مؤثرٌ أحدثَهُ ، و قدَ بينْتُ ذلك بالمثالِ القرءانيِّ ...
ـ ثمَّ قالَ ابنُ آجُرُّومَ : لفظًا أو تقديرًا ...
هذا تقسيمٌ للإِعْرابِ ، يعني : هذا التَّغييرُ قد يكونُ ملفوظًا بهِ ، وقد يكون مُقدّرًا، يعني : لا يَظَهْرُ، وإنَّما يُنوَى ، إذا قلْتُ : (جاءَ زيدٌ والفتى) و (رأيْتُ زيدًا والفتى) و (مررْتُ بزيدٍ والفتى)، (جاءَ زيدٌ) ظهرَ الرَّفعُ فيهِ ، (جاءَ) فعلٌ ماضٍ يقتضي فاعلا، ( زيدٌ) فاعلٌ مرفوعٌ ، إذن : مُعربٌ ، ظهرَ فيهِ الِإعْرَابُ على أنَّه فاعلٌ، علامةُ إعرابِهِ الضمَّةُ ، منطوقٌ بها أوْ لا ؟ نطقتُ بها، (والفتى) الواو حرفُ عطفٍ، و (الفتى) معطوفٌ على المرفوعِ ، والمعطوفُ على المرفوعِ مرفوعٌ ، أينَ الرَّفعُ ؟ (فتى) ليس عندنا رفعٌ ، وإنَّما هو مُقدرٌ، يعني منويٌ في القلبِ ، حينئذ تنوي بقلبِكَ أنَّ ضمةً هنا على الألفِ ، (الفَتَى) لكنَّها لا يُمكنُ إظهارُها فتقدرُهَا، حينئذٍ : تقولُ : (الفتى) معطوفٌ على (زيدٌ ) والمعطوفُ على المرفوعِ مرفوعٌ ، ورفعُهُ ضمَّةٌ مقدَّرَةٌ على آخرِهِ ، منع من ظهورِها التَّعذُّرُ، (رأيْتُ زيدًا والفَتَى)، (زيدًا) نطقْتُ بالفتحةِ ، (والفَتَى) قدَّرْتُ الفتحةَ ، (مررْتُ بزيدٍ) نطقت بالكسرةِ ، إذن : يكونُ الإِعْرَابُ ظاهرًا، (والفَتَى) قدرت فيه الكسرة، إذن لا يظهر...
ـ الإِعْرَابُ التقديريُّ على المشهورِ يكونُ في أربعةِ صورٍ :
فهذهِ أربعةُ أبوابٍ مشهورةٍ ، تأتي معنا إنْ شاءَ اللهُ في المقالِ القادمِ ...