(10) دَوْرَةُ شَرْحِ الآجُرُّوُمِيَّةِ :

ـ قالَ ابنُ آجُرُّومَ :  الإِعْــــــــــرَابُ: هُوَ تَغْييرُ أوآخرِ الكَلِم،لاختلافِ العواملِ الداخلةِ عليها لفظًا أو تقديرًا ..


* الــــــــــــشَّــرْحُ :

ذكرتُ مُقدِّمةً مُختصرةً عن الإعرابِ والبناءِ كتمهيدٍ لهذا البابِ ، وبابُ الإعرابِ هو أهمُّ أبوابِ النَّحوِ العربيِّ بإطلاقٍ ، و كونُهُ الأهمَّ فذلكَ لأمورٍ :

1ـ أنَّ موضوعَ بابِ الإعرابِ هو أوآخِرُ الكلامِ ، هل أخِرُ الكلمةِ مرفوعًا أو منصوبًا أو مجرورًا ، و هذا هو موضوعُ علمِ النَّحوِ العربيِّ ، فالنَّحو العربيُّ يعتني بدراسةِ الآخرِ من حيثُ حالةُ الرفعِ أو النصبِ أو الجرِّ ..

2ـ أنَّ السَّببَ في نشأةِ علمِ النَّحوِ العربيِّ هو انتشارُ اللَّحنِ و الخطأِ في النُّطقِ بكلماتِ القرءآنِ ، و هذا اللَّحْنُ يتعلقُ بآخِرِ الكلمةِ ، و الذي يَدْرُسُ آخِرَ الكلمةَ هو بابُ الإعرابِ ، فصارَ بابُ الإعرابِ بذلكَ أهمَّ أبوابِ النَّحوِ العربيِّ ..

ـ على كلِّ حالٍ فقد قالَ الإمامُ محمَّدُ بنُ آجرُّومَ : الإِعْــــــــــرَابُ: هُوَ تَغْييرُ أوآخرِ الكَلِم ..الخ ..

 والإعْرَابُ بكسرِ الهمزةِ لا بفتحِها , وأمَّا بالفتِح فهو اسْمُ سُكَّانِ البوادي ، يُقالُ :أعْرَبَ عَمَّا فِي نَفْسِهِ إذا أبانَهُ وأظهرَهُ ، والإعرابُ هو الذي يَكْشِفُ المعانيَّ، إذا قلْتُ: ضرب زيد عمر , هكذا بدونِ ضبطِ الأواخِرِ ، مَنْ الضَّاربُ؟ مَنِ المَضْرُوبُ؟ لا نَدْري، إلاَّ إذا قلنا : ضَرَبَ زَيْدٌ عَمْرًا ، عرفنا أنَّ (زيدٌ) هو الضَّاربُ ، و (عمرًا) هو المَضْروبُ ، وأمَّا إذا قلنا : ضرب زيد عمر ، فلا نَدْري ، يُحْتَمَلُ أنَّ (زيد) مَضْروبٌ، ويُحْتَمَلُ أنَّه ضاربٌ ، ويُحْتَمَلُ أنَّ (عمر) مَضْروبٌ، ويُحْتَمَلُ أنَّه ضاربٌ، إذن : الذي يُمَيِّزُ لنا المعانيَّ و يكشِفُها هو الإعْرابُ ، و بابُ الإعرابِ فيهِ أصولٌ و قواعدُ  من فهِمَها  يفهم كثيرًا من مسائلِ النَّحوِ، فمَنْ يَحْفَظُ قواعدَ هذا البابِ يَسْهُلُ عليهِ الإعرابُ من كل وجهٍ ،فلذلكَ يجبُ الاعتناءُ بهِ و الإكثارُ من النظَّرِ في معانيهِ ..

ـ و قولُهُ : هُوَ تَغْييرُ أوآخرِ الكَلِم .. يعني : تغييرُ شكلِ الحرفِ الآخيرِ من الكلمةِ مثلُ : جاءَ زيدٌ، ورأيْتُ زيدًا، ومررْتُ بزيدٍ ، حرفُ الدَّالِ في كلمةِ ( زيد ) تَغَيَّرَ ثلاثَ مراتٍ في هذِهِ الأمثلةِ ، فجاءَ مرفوعا بضمةٍ و منصوبا بفتحةٍ و مجرورا بكسرةٍ ، هذا التَّغَيُّرُ من الرفعِ إلى النَّصبِ إلى الخفضِ هو الإعْرَابُ الذي أرادَهُ ابنُ آجُرُّومَ، حَصَلَ التَّغَيُّرُ أولاً من رفعٍ إلى نصبٍ إلى خفضٍ ؟ ما الذي دلّنا على هذا التَّغيُّرِ؟ الضمَّةُ دلَّتْ على الفاعليةِ ، والفتحةُ دلَّتْ على المفعوليةِ ، والكسرةُ دلَّتْ على كونِهِ مخفوضا، ولذلكَ نقولُ : الحُكْمُ تعَلَّقَ بآخرِ الكلمةِ ، الدَّالُ هي مَحَلُ ظهورِ الإعرابِ، هل الدَّال تغيرَتْ بذاتِها ؟ الجوابُ : لا، الذي تَغَيَّرَ هو شكلُ الدَّالِ ، أمَّا هي فبقيتْ كما هي ، إذن نقولُ : تغييرُ أواخرِ الكلمِ : يعني : تغييرُ شكلِ الحرفِ الآخيرِ من الكلمةِ ، والمراد بشكلِ الحرفِ : الرفعُ والنَّصبُ والخفضُ ، وكذلكَ الجزمُ في الفعلِ..

 وقد وردَ على مثلِ ذلكَ في القرءانِ : قولُهُ تعالى : " كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ " الأنعام : 54 ،

 و قولُهُ تعالى : " إنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الذي خَلَقَ السَّمَواتِ و الأَرْضَ " الأعراف : 54 ، و قولُهُ تعالى : " قَدْ جَآءَكُمْ بصآئرُ مِن رَّبِّكُمْ " الأنعام : 104 ..

ـ نلاحِظُ في هذهِ الآياتِ الثلاثِ كلمةَ ( ربكم ) جاءَتْ بصورٍ ثلاثٍ :

   جاءَتْ الباءُ مرةً مرفوعةً بضمَّةٍ ظاهرةٍ ، لأنَّها فاعلٌ في الآيةِ الأولى ، والفاعليةُ تقتضي الرَّفْعَ ،  و مرةً منصوبةً بفتحةٍ ظاهرةٍ  ، لأنَّها اسمُ إنَّ في الآيةِ الثانيةِ ، و اسمُ إنَّ حُكْمُهُ النَّصبُ ، و مرةً مجرورةً بكسرةٍ ظاهرةٍ ، لأنَّها سبقَها حرفُ جرٍّ و هو ( مِنْ ) في الآيةِ الثالثةِ ، يعني : تغيَّرَ شكلُ الباءِ ثلاثَ مراتٍ ، هذا التَّغيُّرُ هوالإِعْرَابُ ، و معنى ذلكَ : أنَّ كلَّ كلمةٍ يَصْلُحُ الحرفُ الأخيرُ منها لأنْ يَتَغَيرَ ، فهذهِ الكلمةُ نقولُ : كلمةٌ معْربةٌ ، و غالبُ الكلامِ العربيِّ مُعْرَبٌ ...

تم عمل هذا الموقع بواسطة