*تبسيط النحو العربي (9) : المعربات بالحروف نيابة عن الحركات
الذي يُعرَب بالحروف أربعة أنواع:
*المثنى.
* وجمع المذكر السالم.
* والأسماء الخمسة.
* والأفعال الخمسة، وهي: يفعلان، وتفعلان، ويفعلون، وتفعلون، وتفعلين[1].
*أولًا: المثنى:
وهو: "ما دلَّ على اثنين أو اثنتين بزيادة في آخرِه، صالحٌ للتجريد، وعطف مثلِه عليه".
فقولنا: ما دلَّ على اثنين أو اثنتين: لأن المثنى ليس خاصًّا بالمذكر، بل هو شاملٌ للمذكر والمؤنث على السواء.
وقولنا: بزيادة في آخره: يعني بسبب زيادةٍ في آخره؛ لأن عندنا ألفاظًا تدل على اثنين، لكن بالوضع لا بالزيادة (كشَفْع)، (شَفْعٌ) يدل على اثنين، لكنه بالوضع، ليس عندنا زيادة.
(زوج) يدل على اثنين، لكنه بالوضع ليس بالزيادة، والمراد هنا بزيادة؛ يعني: بسبب زيادة ألف ونون في حالة الرفع، وياء ونون في حالتَيِ النصب والجرِّ.
وقولنا: صالح للتجريد: كالزيدان، فإنه يصحُّ أن نجرِّدها من الألف والنون، فنقول: زيدٌ وزيد، وهذا بخلاف: "اثنان"، فإنه لا يصلح لإسقاط الزيادة منه، فلا نقول: اثن.
فإن لم يصلُحْ للتجريد، فليس بمثنًّى.
(كلا وكلتا) نقول: (كلا) من حيث المعنى دالٌّ على اثنين، وهو مُلحَقُ بالمثنى إذا أضيف إلى الضمير، حينئذٍ نقول: (كلاهما)، نقول: هذا ملحق بالمثنى، ويعرب بالألف نيابة عن الضمة، وبالياء نيابة عن الفتحة والكسرة، لكن هل هو مثنًّى؟ الجواب: لا، لماذا؟ لأنه غيرُ صالح للتجريد.
وهذه أربعة ألفاظ عند النحاة:
(كلا، وكلتا) إذا أضيفتا إلى الضمير، و(اثنان، واثنتان)، (اثنان، واثنتان) فيهما زيادة، لكنهما ليسا صالحَيْنِ للتجريد، وليس عندنا (اثن) وليس عندنا (اثنت)، وإنما هما (اثنان، واثنتان)، ففيهما زيادة، لكنهما ليسا صالحَيْنِ للتجريد.
وقولنا: وعطف مثله عليه: كـ (القمرين)، (قمران) المراد به الشمس والقمر، فيُثنَّى من باب التغليب، حينئذٍ يكون ملحقًا بالمثنى، هذه الألف والنون زائدة للتثنيةِ، لكن إذا حُذِفَتْ هل يعطف مثله عليه؟) قمر وقمر)، أو تقول: (قمر وشمس)؟ تقول: (قمر، وشمس)، حينئذٍ نقول: هذا لم يتحقَّق فيه حدُّ المثنى؛ ولذلك (الأبوان: الأم، والأب) (أبوان) ليس مثنًّى، لكن يعرب إعرابَ المثنى، فيكون ملحقًا به، لماذا ليس مثنًّى مع أن (أب) زِيدت عليه الألف والنون؟ نقول: إذا حذفنا الألف والنون فهو صالحٌ للتجريد، لكن هل يعطف عليه (أب، وأب)؟ نقول: لا؛ لأن المراد الأب والأم، فالمثنى حينئذٍ هو: "ما دلَّ على اثنين أو اثنتين بزيادة في آخره، صالح للتجريد، وعطف مثله عليه".
ومثال المثنى الذي تحقَّقت فيه الشروط قولنا:
جاء الزيدان، ورأيت الزيدَيْنِ، ومررتُ بالزيدَيْنِ، فـ (الزيدان) في المثال الأول فاعلٌ مرفوع، وعلامة رفعه الألفُ؛ لأنه مثنًّى، وفي المثال الثاني (الزيدين) مفعولٌ به منصوب، وعلامةُ نصبه الياء؛ لأنه مثنًّى، وفي المثال الثالث (الزيدين) اسمٌ مجرور بالباء، وعلامة جرِّه الياء؛ لأنه مثنًّى.
*ثانيًا: جمع المذكر السالم:
وبعضُ النحاة يُسميه: الجمعَ الصحيح، لماذا وصف بكونه صحيحًا؟ نقول: في مقابلة جمعِ المكسر، هناك جمع المكسَّر "ما كُسِّر مفرده في الجمع"؛ مثل: رجل ورجال، كما ذكرنا، يقابلُه ماذا؟ الجمع الصحيح الذي سَلِم المفردُ فيه عند الجمع، لم يزد عليه حرف، ولم ينقصْ منه حرف، ولم يتبدَّل أو يتغير شكلُه؛ يعني: الحركات، وهذا يُسمَّى: الجمعَ الصحيح؛ يعني: الذي صحَّ فيه واحدُه، (مسلم) قلنا: هذا يُجمع على (مسلمون)، بقي كما هو، (مؤمن) جمع على (مؤمنون) بقي المفرد كما هو، سلم المفرد في الجمع، لم يزد فيه حرفٌ، ولم ينقص منه حرفٌ، ولم تتبدَّل فيه حركة ألبتة؛ وإنما زِيدَ في آخره الواو والنون؛ ولذلك يُسمَّى: "جمعَ السلامة".
وقد عرَّفه النحاة بأنه:
"ما دلَّ على أكثر من اثنين، بزيادة في آخره، صالحٌ للتجريد، وعطف مثله عليه".
متى ما تحقَّقت هذه الضوابط فهو الجمعُ الصحيح، ومتى ما انتفَتْ أو انتفى بعضُها فليس بجمعِ تصحيح.
وإن وجد ما أعرب في لسانِ العرب بالواو والنون أو الياء والنون، كـ (ابن) إذا جمع على "بنون"، أو (عشرون) إذا جمع بواو ونون - فيعرب إعراب جمع المذكر السالم، وإن لم تتحقَّق فيه هذه الضوابط، فهو ملحق؛ ولذلك نقول: الإعراب أو التعريفُ إنما يكون للجمع الحقيقي، فإذا وجد في لسان العرب ما أعرب إعرابَ جمع التصحيح، فهو ملحقٌ به، حينئذٍ يكون التأصيل لبيان الجمع الحقيقي:
"ما دلَّ على أكثر من اثنين": خرج ما دل على الواحد، وما دل على اثنين كذلك، وما دلَّ على أكثر من اثنتين، فليس بجمعِ المذكر السالم.
بزيادة في آخره: يعني: بسبب زيادة في آخره، وهذا فرقٌ بين جمع المذكر السالم وبين جمع المكسر، جمع المكسر يدلُّ على الجمعيَّة بذاته وبصيغته، وأما جمع المذكر السالم فيدلُّ بالزيادة، كما قلنا: (مؤمن) قلنا: (مؤمنون) بسبب هذه الزيادة (الواو والنون) دلَّ على الجمعية، (مؤمن) واحد، (مؤمنة) واحدة، هذا الأصل، فإذا قلت: (مؤمنون) دلَّ على أكثر من اثنين؛ يعني: ثلاثة فأكثر، وهو أقلُّ الجمع، أما (المؤمنة) فهذا يجمع بألف وتاء، إذًا بزيادة في آخره، فإذا لم يكن ثَمَّة زيادةٌ، فليس بجمعِ تصحيح.
صالحٌ للتجريد: عن هذه الزيادة؛ يعني: أن تُحذَف هذه الزيادة، فإذا لم يَصلُحْ لأن يجرَّد عن الزيادة، فليس بجمع تصحيحٍ، فمثلًا (عشرون) وبابه (ثلاثون، أربعون، خمسون، إلى التسعين) هذا يُعرَب إعراب جمع المذكر السالم، لكنه ليس بجمعِ المذكر السالم؛ لماذا؟ لكونه لا يصلحُ أن تُجرَّد عنه الواو والنون، (هذه عشرون) وعشرون مرفوع بالواو، لماذا؟ لأنه ملحقٌ بالجمع، إذًا هو ليس بجمعٍ، ولكنه مُلحَقٌ بالجمع، لماذا؟ لأن شرط جمعِ التصحيح أن تُحذَف الواو والنون ثم يصحُّ اللفظ كما هو، وهل يصح أن نقول: (عشر) ليس عندنا (عشر)، حينئذٍ: ما لم يَصلُحْ للتجريد فليس بجمع تصحيح.
وعطف مثله عليه: إذا قلت: (زيدون)، هذا علمٌ على شخص، هذا في الأصل جمع، لكن مدلولَه واحد؛ لأنه صار اسمًا لشخص بعينه، وإذا كان مدلوله واحدًا فشرط جمع التصحيح أن يكون مدلوله ثلاثةً فأكثر، إذًا ليس بجمع تصحيح؛ لأنه لا يصحُّ أن تقول: زيدٌ، وزيد، وزيد؛ لأنه ليس عندك إلا واحد، شخص مسمَّاه واحد، فلما لم يصلح أن يُعطَف عليه مثله، حينئذٍ نقول: هذا مُلحَقٌ بجمع التصحيح.
ومثال ما اجتمع فيه شرطُ جمع المذكر السالم قولُه تعالى: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ [المؤمنون: 1]، فـ (المؤمنون) فاعلٌ مرفوع، وعلامة رفعه الواوُ، نيابة عن الضمة؛ لأنه جمع مذكر سالم، وقوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ ﴾ [التوبة: 4]، فـ(المتقين) مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الياءُ، نيابة عن الفتحة؛ لأنه جمع مذكر سالم، وقوله تعالى: ﴿ وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [المائدة: 85]، فـ(المحسنين) مضافٌ إليه مجرور، وعلامة جرِّه الياء، نيابةً عن الكسرة؛ لأنه جمع مذكر سالم.
[1] المقدمة الآجرومية ص: 52.