09 Aug

يقول السائل :

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

هل الفعل البشري يسمى عبادة بإعتبار فاعله أم بإعتبار الشرع ؟

وهل يشترط للحكم على فاعل الشرك بالكفر أن يعتقد شيئا من خصائص الألوهية في معبوده الباطل ؟

 نريد جوابا شافيا كافيا مسندا بالدليل من الكتاب والسنة وأقوال الأئمة بارك الله فيكم وزادكم علما

لأن بعض المنتسبين للإسلام يقولون أن أقصى ما يمكن أن يقال عن فاعل الشرك أنه أتى حراما مالم يعتقد مع فعله أن معبوده ينفع أو يضر.


الجواب :

عليكم السلام ورحمة الله بركاته ...

**المسألة الأولى :

الذي نقرره في هذه المسألة أن الفعل البشرى يسمى عبادة باعتبار الشرع و باعتبار الفاعل أيضا ، أما باعتبار الشرع فلأن العبادة توقيفية ، ويلزم لإثبات كون الفعل عبادة أن يكون فيه نص يثبت ذلك ، و لذلك العلماء يقولون في تعريف العبادة : « طاعة الله بامتثال ما أمر على ألسنة الرسل » فظهر بذلك أن المعتبر في كون الشئ عبادة هو إخبار الرسل بذلك عليهم صلوات الله وسلامه ، و الرسل إنما يخبرون من جهة الوحي المنزل من السماء ، و يؤيد ذلك السنن و الآثار الواردة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومنها « صلوا كما رأيتموني أصلي » فالصلاة عبادة و طريقة التعبد بها لا نعرفها إلا من جهة الرسول - صلى الله عليه وسلم - و كذلك قوله « خذوا عني مناسكم » فالمنسك وهو أفعال الحج لا نعرفه إلا من صاحب الشريعة - صلى الله عليه وسلم - فظهر بذلك أمران : 

        الأول : أن الفعل البشري نسميها عبادة باعتبار الشرع له .

        و الثاني : أنه لا يكفي معرفة ذلك ، بل يجب الوقوف على الكيفية لضمان موافقة الشرع ..

و أما كون الفعل البشري عبادة باعتبار فعل الفاعل فنقول : نعم ، لأنه لابد من نية التقرب ، فالفاعل يرتكب العبادة بنية القربى و التزلف إلى رب العالمين ، فإن تجرد فعله من ذلك فلا شك في عدم الإجزاء والقبول ، و نوضح ذلك بمثال :

بر الوالدين قد يكون عبادة وقربى و قد يكون عادة وذلك بحسب نية الفاعل ،

حتى قالوا : العادات كالطعام والشراب قد تكون عبادة بحسب نية الفاعل ، و قد ورد عن ابن مسعود : « إني لأحتسب النومة كما أحتسب القومة » على كل حال هذا جواب مختصر يوضح مسألتك الأولى ..


**و أما مسألتك الثانية:

وهل يشترط للحكم على فاعل الشرك بالكفر أن يعتقد شيئا من خصائص الألوهية في معبوده الباطل ؟

فنقول في ذلك : قائل ذلك هم عباد القبور ، لأنهم يقولون : نحن لا نعتقد أن الأولياء ينفعون ويضرون ، بل هم عباد لله ولكنهم مقربون منه ، و نحن لا نعبدهم ، بل نتقرب إليهم حتى يقربونا إلى الله سبحانه ، فجعلوا الشرك أن يعتقد العبد مع الله ربا مدبرا مثله ، وهذا باطل بالنص و الإجماع ، فأهل مكة لم يعتقدوا في اللات والعزى و مناة أنها أرباب تخلق وتنفع وتضع ، و إنما اعتقدوا فيها الصلاح و قرب المنزلة من الله ، فهم كوزراء الملك ، و مع ذلك قاتلهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ألم تقرأ قوله تعالى : «وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَٰؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّهِ ۚ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ ۚ سُبْحَانَهُ ) يونس : 18 ، فهذا قول المشركين الأوائل ، و عليك برسالة كشف الشبهات للإمام المجدد ففيها تفصيل ذلك .


والذي نقوله في هذا الباب :

أن كل من تلبس بالشرك الأكبر فهو مشرك ، سواء كان جاهلا أو عالما أو مقلدا أو متأولا ، إذ لا عذر بالجهل في الشرك الأكبر ، و هذا بالنص و الإجماع ، ولا نلفت لمن قال بالعذر و جعلها من مسائل الخلاف .

و أحيل السائل على رسالة المتممة في الشرك الأكبر للشيخ على الخضير ، و فق الله الجميع لما يحب ويرضى ...


كتبه / أبو زياد النحوي

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
تم عمل هذا الموقع بواسطة