يقول السائل :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
من المعلوم لدينا أن المبدل لشرع الله بغيره من الدساتير والقوانين كافر، لكني لم أدرك الفرق بينه وبين من حكم في قضية أكثر لهوى أ لرشوة أو...
لو تفضلتم علينا ببيان المسئلة بارك الله فيكم
الجواب :
عليكم السلام ورحمة الله وبركاته ..
أسأل الله أن ينير بصيرتك و أن يوفقك للتميز بين متشابهات الأمور ، و أما جوابنا عن هذه المسألة فنقول :
- هناك صورتان :
الأولى : صورة تبديل الشرائع و الحكم بالقوانين والدساتير الشركية ، و إنشاء المحاكم القانونية للحكم بين الناس في الخصومات التي تتعلق بالأموال والفروج والدماء ، فهذه الصورة من الكفر الأكبر المجمع عليه بين العلماء ، و هذا الإجماع نقله الحافظ ابن كثير في تفسير قوله تعالى ( أفحكم الجاهلية يبغون ) المائدة : 50 ، وكذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (3/267) :
والإنسان متى حلل الحرام - المجمع عليه - أو حرم الحلال -المجم ع عليه - أو بد ل الشرع - المجمع عليه - كان كافراً مرتداً باتفاق الفقهاء .. انتهى كلامه ..
وقال الشيخ محمد بن ابراهيم في تحكيم القوانين :
إن من الكفر الأكبر المستبين تنزيل القانون اللعين منزلة ما نزل به الروح الأمين على قلب محمد صلى الله عليه وسلم ليكون من المنذرين بلسان عربي مبين في الحكم به بين العالمين والرد إليه عند تنازع المتنازعين مناقضة ومعاندة لقول الله { فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً } ) . ( رسالة تحكيم القوانين ص: 5).
وقال الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب :
إن هؤلاء الطواغيت الذين يعتقد الناس فيهم وجوب طاعتهم من دون الله كلهم كفار مرتدون عن الإسلام, كيف لا وهم يحلون ما حرم الله, ويحرمون ما أحل الله, ويسعون في الأرض فسادا بقولهم وفعلهم ... (الرسائل الشخصية 18)
- الصورة الثانية : وهي مراد السائل ، و صورتها : أن يحكم الحاكم أو القاضي بغير ما أنزل الله في قضية أو أكثر ، و مثال ذلك : رجل سرق مالا فيه قطع يد ،
فلما ذهبوا به للقاضي وسمع الدعوى و عرف أن السارق يستحق القطع ، رفض الدعوى بزعم أن الشهود غير عدول و ثقات ، فحكم ببراءة السارق لعدم عدالة الشهود ، والذي حمله على ذلك هو الرشوة أو قرابة بينه وبين السارق ، فالحاكم هنا لم يبدل شرع الله ، و إنما تحايل على الشريعة لتعطيل الحكم بالقطع لرشوة أو غير ذلك.
هذه الصورة هي التي نقول فيها بعدم كفر الحاكم أو القاضي ، لأنه ليس مبدلا لحكم الله تعالى ، وكذلك لم يحكم في القضية بغير ما أنزل الله ، بل عطل الحكم في القضية بهواه وفسقه ، و هذا هو ما ينطبق عليه حديث بريدة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « القضاة ثلاثة: اثنان في النار وواحد في الجنة، رجل عرف الحق فقضى به فهو في الجنة، ورجل عرف الحق فلم يقض به ، وجار في الحكم فهو في النار، ورجل لم يعرف الحق فقضى للناس على جهل فهو في النار» (رواه الأربعة وصححه الحاكم.)
ونقل ابن عبد البر أن مثل هذا من كبائر الذنوب بالإجماع في التمهيد ، وهذا هو الذي حصل في الدولة الأموية أو العباسية .