*تبسيط النحو العربي (4) :الإعراب والبناء
الكلمة في العربية الفُصْحى لا تخرجُ عن كونها معربةً أو مبنية، وهذا يُسمِّيه النحاة: "التعريف بالوصف".
والمراد بذلك : وصفُ شكل الحرف الأخير من الكلمة؛ لأن الكلمةَ العربية قد يتغيَّر شكلُ آخرها تبعًا لوظيفتها الإعرابيَّة في الجملة، وهذا التغيُّر هو (الإعراب) عند النحاة، ولنتأمَّلْ هذه الأمثلة، ونرصد معًا هذه الظاهرة النَّحْويَّة:
(أ) جاء زيد.
(ب) رأيت زيدًا.
(ج) مررت بزيدٍ.
• كلمة (زيد) في الأمثلة الثلاثة تغيَّر شكلُ آخرِها، مرة بضمةٍ، ومرة بفتحةٍ، ومرة بكسرةٍ، وهذا التغيُّر جاء تبعًا لموقع الكلمة في كل مثال، فـ(زيد) في المثال الأول فاعل، وهذا يقتضي الرفعَ، والرفعُ علامته الضمة، وفي المثال الثاني (زيدًا) مفعولٌ به، وهذا يقتضي النصبَ، والنصبُ علامته الفتحةُ، وفي المثال الثالث (زيد) اسمٌ سبقه حرف جرٍّ، وهذا يقتضي الجرَّ، والجرُّ علامته الكسرة.
• وحالة التغيُّر التي رصدناها في الأمثلة السابقة - كما قلنا - يُسمِّيها النحاةُ: (الإعراب).
ونلاحظ على ضوء ما سبق أن الجملةَ المُعْربةَ تتكوَّن من أربعة أركان:
الأول: العاملُ الإعرابي: وهو ما يَجلِبُ العلامةَ الإعرابية، ويقتضي كون الكلمة مرفوعةً، أو منصوبة، أو مجرورة، أو مجزومة.
والثاني: المعمول: وهي الكلمةُ التي يتسلَّطُ عليها العاملُ الإعرابي، ويُظهِر على آخرها العلامةَ الإعرابية.
والثالث: الموقع الإعرابي: وهو الذي يُحدِّد وظيفة الكلمة في الجملة؛ مثل: الفاعلية، والمفعوليَّة.
والرابع: العلامة الإعرابية: وهي العلامةُ الدالَّة على الحالة الإعرابية، وأصولُها أربعُ علامات؛ هي: الضمة، والفتحة، والكسرة، والسكون، أو ما ينوبُ عن هذه العلامات.
فلو قلنا: جاء زيدٌ، فالعاملُ الإعرابيُّ هو الفعلُ الماضي (جاء)، الذي اقتضى فاعلًا؛ هو (زيد)؛ لأن الفعلَ لا بدَّ له من فاعل، والمعمولُ هو الفاعل (زيد)، الذي تسلَّط عليه الفعل، وعَمِل فيه الرفع، والموقعُ الإعرابيُّ هو موقع الفاعليَّة لـ(زيد)، والعلامة الإعرابية هي الضمةُ التي ظهرت على الحرف الأخير من (زيد).
♦ وقد يلزم شكلَ آخر الكلمة هيئةً واحدة مهما تغيَّر موقع الكلمةِ في الجملة، وهذا هو (البناء) عند النحاة، ولنتأمَّل هذه الأمثلة:
(أ) جاء هؤلاء.
(ب) رأيتُ هؤلاء.
(ج) مرَرْتُ بهؤلاء.
كلمة (هؤلاء) جاءت في الأمثلةِ الثلاثة على هيئةٍ واحدة، فلَزِم الحرفُ الأخير منها حالةَ الكسر، وقد جاءت (هؤلاءِ) فاعلًا في المثال الأول، ومفعولًا به في المثال الثاني، واسمًا مجرورًا في المثال الثالث، ومع ذلك لَزِمَتْ هيئة واحدة في كل أحوالها.
والكلمة الواحدة لا نستطيع أن نعرف إعرابَها أو موقعَها؛ لأنه لابد أن تَنتَظِم الكلمة في جملة عربيَّة؛ حتى تظهرَ وظيفتُها، ويتسلَّط عليها العاملُ الإعرابي؛ لتُؤدِّي معناها في ضمن التركيب العربيِّ؛ لأن النحوَ العربيَّ موضوعُه الجملة المركَّبة، لا الكلمة المفردة.
• وأُنبِّه هنا على أهمية نظرية الإعرابِ، التي تعتبر الأساسَ الذي قام عليه النَّحْوُ العربي منذ نشأة النحو وعلوم العربية الفُصْحى، وقد صان العلماءُ القرآنَ والسنة من خلال هذه النظرية بما قرَّرُوه من القواعد التي حفِظَتْها كتبُ النحو العربي قديمًا وحديثًا.
ولمَّا بدَأتْ حركةُ جمعِ اللغة والتقعيد لها، وترتيب أبوابِ النحو العربي على وَفْق اللسان العربيِّ الفصيح - اعتنى النَّحاة بنظرية الإعراب اهتمامًا بالغًا؛ لأنهم أدركوا دورها في حفظ اللسان العربي والقرآن والسنة، وقد رُوِي عن عمرَ أنه قال: (تعلَّمُوا إعراب القرآن كما تتعلَّمون حفظَه)[1] ، وعن ابن مسعودٍ قال: (أَعرِبُوا القرآنَ، وإنه سيأتي أقوامٌ يُتقِنونَه، وليسوا بخيارِكم)[2] .
♦ ودراسة النَّحاة لبابِ الإعراب تنحصر في ثلاثة أمور:
أولًا: حقيقة الإعراب، وأقسامه وما يدخلُه من الأبواب.
ثانيًا: الإعرابُ الأصلي والفرعي.
ثالثًا: الإعرابُ الظاهرُ والمُقدَّر.
♦ وأما البناءُ فتنحصرُ دراسته في:
أولًا: حقيقة البناء وأسبابه.
ثانيًا: المبنيَّات من الأسماء، والأفعال، والحروف.
وهذا يأتي معنا إن شاءَ اللهُ في المقالات القادمة.
[1]الزينة: (أبو حاتم بن حمدان الرازي) (1/ 117).
[2] المصدر السابق.