يقول السائل :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كيف حالك ياشيخ حفظنا و حفظكم الله تبارك وتعالى، هل يجوز الصلاة خلف المرجئة علماً بأن سلف الأمة لم يكفروا المرجئة الفقهاء وهناك قول الأمام شافعي والإمام حافظ الثقة قالوا لا يجوز صلاة خلف المرجئة.
جواب ياشيخ جزاك الله خير ..
الجواب :
عليكم السلام ورحمة الله وبركاته ..
حياك الله و أعزك بتوحيده ..
و أما جوابي عن مسألتك فأقول : هذه المسألة لها صور متعددة و كل صورة لها حكم و بيانها كالتالي :
الصورة الأولى : يجوز الصلاة وراء الإمام الذي لم تظهر منه بدعة و لا فسق باتفاق الأئمة الأربعة ، و ليس من شرط الائتمام أن تعرف عقيدة الإمام ، بل لك ظاهره و باطنه موكول إلى ربه ، و هذا إذا كنت في بلد ينتشر فيها التوحيد و السنة ، قال شيخ الإسلام ابن تيميّة رحمه الله : في مجموع الفتاوى (23 /351 ) : " يجوز للرجل أن يصلي الصلوات الخمس والجمعة وغير ذلك خلف من لم يعلم منه بدعة ولا فسقاً باتفاق الأئمة الأربعة وغيرهم من أئمة المسلمين، وليس من شرط الائتمام أن يعلم المأموم اعتقاد إمامه، ولا أن يمتحنه فيقول ماذا تعتقد؟ بل يصلي خلف مستور الحال" انتهى كلامه رحمه الله .
فكلام شيخ الإسلام محمول على البلد التي حال الناس فيها على السنة ، فهذه واحدة ..
والصورة الثانية : لو ظهر من الإمام بدعة مكفرة فالصلاة لا تجوز خلفه باتفاق العلماء ، و أما لو كانت بدعته غير مكفرة أو ظهر منه فسق ففي الصلاة خلفه نزاع بين أهل العلم ، فجوزها الشافعي و أبوحنيفة ، و منع من ذلك الإمام أحمد ، و الذي نميل إليه هو صحة الصلاة وراءه ، لأن السلف صلوا خلف الحجاج الثقفي ..
الصورة الثالثة : أن تكون البلد التي تعيش فيها قد انتشر فيها البدع المكفرة ،و صار الغالب على أهلها هو التلبس بهذه البدع ، و كان أئمة المساجد معينون من الحاكم القانوني الطاغوتي ، كما هو الحال في أيامنا هذه ، ففي هذه الحال نقول :
لاتجوز صلاة الجماعة خلف هؤلاء الأئمة ، قال المروذي كما في طبقات الحنابلة(1/58):
سئل أحمد: أمر في الطريق فأسمع الإقامة ترى أن أصلي؟
فقال: قد كنت أسهل فأما إذ كثرت البدع فلا تصل إلا خلف من تعرف.ا.ه
يؤيد هذا ما قاله الثوري رحمه الله لشعيب بن حرب كما في شرح أصول الاعتقاد لللالكائي(1/170): " يا شعيب لا ينفعك ما كتبت حتى ترى الصلاة خلف كل بر وفاجر ،والجهاد ماض إلى يوم القيامة ، والصبر تحت لواء السلطان جار أم عدل .
قال شعيب فقلت لسفيان :يا أبا عبد الله الصلاة كلها؟ .
قال: لا ولكن صلاة الجمعة والعيدين ،صل خلف من أدركت وأما سائر ذلك فأنت مخير لا تصل إلا خلف من تثق به وتعلم أنه من أهل السنة والجماعة".ا.ه
وقال ابن أبي زمنين في أصول السنة (1/284):
"وَحَدَّثَنِي وَهْبٌ عَنْ اِبْنِ وَضَّاحٍ قَالَ: سَأَلْتُ حَارِثَ بْنَ مِسْكِينٍ هَلْ نَدَعُ اَلصَّلَاةَ خَلْفَ أَهْلِ اَلْبِدَعِ?
فَقَالَ: أَمَّا اَلْجُمُعَةُ خَاصَّةً فَلَا، وَأَمَّا غَيْرُهَا مِنْ اَلصَّلَاةِ فَنَعَمْ."
قَالَ اِبْنُ وَضَّاحٍ وَسَأَلْتُ يُوسُفَ بْنَ عَدِيٍّ عَنْ تَفْسِيرِ حَدِيثِ اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَلْفَ كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ قَالَ:" اَلْجُمُعَةُ خَاصَّةً، قُلْتُ: وَإِنْ كَانَ اَلْإِمَامُ صَاحِبَ بِدْعَةٍ؟
قَالَ نَعَمْ، وَإِنْ كَانَ صَاحِبَ بِدْعَةٍ; لِأَنَّ اَلْجُمُعَةَ فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ لَيْسَ تُوجَدُ فِي غَيْرِهِ."
وجاء في كتاب السنة لعبد الله بن أحمد:" سَمِعْتُ أَبِي رَحِمَهُ اللَّهُ، يَقُولُ: " مَنْ قَالَ ذَلِكَ الْقَوْلَ لَا يُصَلَّى خَلْفَهُ الْجُمُعَةَ وَلَا غَيْرَهَا: إِلَّا أَنَّا لَا نَدَعُ إِتْيَانَهَا فَإِنْ صَلَّى خلفه الجمعة رَجُلٌ أَعَادَ الصَّلَاةَ، يَعْنِي: مَنْ قَالَ: الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ " انتهى ..
وقوله لا ندع إتيانها محمول على الجمعة ، بدليل ما بعده ..
فهذا كلام أئمة السنة كأبي عبدالله أحمد بن حنبل في منع صلاة الجماعة خلف الأئمة إذا انتشرت البدع ، حتى صار الرجل لا يثق بعقيدة الناس نظرا لفشو البدع المكفرة فيهم ، و عليه نقول :
لا تجوز الصلاة خلف من لا تثق بعقيدته ، و أنا أنبهك لأمر : قولنا بذلك لا يعني أننا نكفر أئمة المساجد ، أو نعمم القول بتكفير الشعوب ، هذا نحن منه برآء ولله الحمد ، هذا والله أعلم ..
كتبه / أبو زياد النحوي