*الناقض الثالث : من لم يكفر المشركين ، أو شك في كفرهم، أو صحح مذهبهم :

    ذكرت في المقالات بعض المسائل هي منطلقنا في هذه القاعدة و منها :

 1- أن الضابط و الأساس الذي قامت عليه هذه القاعدة هو : رد النص من القرآن والسنة و تكذيبه ، وليس هو فعل الكفر بالقول أو العمل ، و مسألة التكذيب تكون بعد العلم بالحكم و أدلته ، ولذلك الصواب : أننا نشترط في إنزال هذه القاعدة إقامة الحجة في غالب صور التكفير بها ، إلا بعض الأحوال و سيأتي ذلك ، و القاضي عياض لما ذكر هذه القاعدة ذكر أنها تتعلق برد النص وتكذيبه ، و أنا أكرر عليكم هذا الضابط لأننا في حاجة كبيرة له ، و إلا اتسعت دائرة التكفير و صرنا غلاة نعوذ بالله ...

2- صورة مسألتنا : بحث حال المتوقف في تكفير المشرك لا غير، يعني : رجل ارتكب شركا أكبر ، و جاء رجل وقال لا أكفره لأن هناك

ما يمنع من تكفيره ، هل الممتنع يكفر أم لا ؟ هذا فيه تفصيل كبير ، لأن الذي يقول : نعم نكفر الممتنع مخطئ ، و الذي يقول : لا نكفره مخطئ ، هذا له تفاصيل و ضوابط نذكرها ، و الله المستعان ...

- مسألتنا : الأصناف التي تقع تحت قاعدة من لم يكفر المشركين ..

- سنجعل الناس أصنافا تحت هذه القاعدة حتى نتمكن من ضبط كل صورة و يكون تناولها سهلا علينا ، فنقول و بالله التوفيق :

  *الصنف الأول : الطوائف والأشخاص التي ورد النص بذكر أوصافهم و أحوالهم ، ثم حكم بكفرهم و منهم : اليهود و النصارى و المجوس و

المشركون عبدة الأوثان ، و من الأشخاص : فرعون و هامان و قارون و إبليس ، وحكم هذا النوع باختصار : من امتنع عن تكفير هذا الصنف فإنه يكون كافرا مكذبا لله و لرسوله ولكتابه ، و نقل القاضي عياض في الشفا الإجماع على كفر هذا النوع و كذلك شيخ الإسلام ابن تيمية و كثير من العلماء ..

  * الصنف الثاني : من ارتكب ناقضا من نواقض الإسلام المجمع عليها ، ما حكم من امتنع عن تكفير هذا الصنف ؟ و الجواب : نحن لا نطلق القول في هذا الصنف ، بل نقيده بعدة اعتبارات و منها : الظهور والخفاء ، و الظهور و الخفاء يكون في الفعل و الفاعل ، بمعنى : الشخص الذي وقع في الكفر : هل وقع في ناقض ظاهر واضح معلوم بحيث لا نتصور الجهل به ؟ أم وقع في شئ خفي ؟

هذا ضابط لابد من اعتباره ، و العلماء قسموا مسائل الشريعة إلى مسائل ظاهرة و خفية ، و الحكم يختلف بالظهور و الخفاء ..

وكذلك : حال الفاعل : قد يرتكب رجل كفرا ظاهرا ، و لكنه رجل مجهول لا نعرفه و لا نعرف حاله ، فهذا أيضا له اعتبار في هذا الباب ، حينئذ نقول : الناقض لو كان ظاهرا معلوما واضحا للعامة والخاصة ، فهذا يؤثر في الحكم و كذلك لو كان خفيا ، و نقول : حال الشخص نفسه الذي وقع في الكفر مؤثر من حيث الظهور والخفاء ، و نضرب مثالا للتوضيح :

- بشار الأسد : هذا الرجل معلوم عند عامة الناس و خاصتهم في بلاد الشام بأ نه طاغية مرتكب للكفر و لا يخفى علي الناس فعله و لا شخصه ،فاجتمع فيه أمران :

 1- ظهور و وضوح كفره و شركه وطغيانه .

 2- ظهور شخصه .

 ما من أحد إلا ويعرف هذا الطاغية، لو قلت لرجل : ما تقول في بشار ؟ وهو يعلم حاله و ما عليه من الكفر و الطغيان ، فقال : لا أكفره ، هنا نحكم بكفر هذا الرجل و تجري عليه القاعدة .

 طيب : لو قلت لرجل من أهل مصر : ما تقول في بشار الأسد ؟ قال : من هذا ؟ قلت هو كذا و كذا ، فقال : لا أعرف هذا البشار ، هل نكفر الرجل ؟ بالآجماع لا ، لماذا ؟ لأنه يجهل حال هذا الطاغية و يجهل فعله و شخصه ، و نحن قلنا : ضابط قاعدة من لم يكفر الكافر هو : رد النص و تكذيبه مع العلم بحال من تلبس بالكفر ، و الرجل ما كذب النص ولا رده ، و لا يعلم حال هذا الطاغية ، إذن : لا نكفره ...

- مثال آخر : ابن عربي و ابن سبعين و الحلاج لعل البعض منكم يعرف هؤلاء المشركين ، لكن : الأكثرية تجهل حاله ولا تعرفه ،

لو قلت لرجل : الحلاج هل تكفره ؟ فامتنع ، لا نكفره ، ليش ؟ هو لا يعرف الحلاج و لا يعرف ماذا فعل ولا يدري عنه شيئا ، حينئذ : معرفة حال الشخص و معرفة فعله و ما كان عليه معتبر في هذا الباب ، و أنقل لكم ما يشهد لكلامي هذا :

قال الشيخ سليمان بن عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب فيمن ثبت  كفره يقيناً  :  "فإن كان شاكاً في كفرهم أو جاهلاً بكفرهم بينت له

الأدلة من كتاب الله وسنة رسوله  صلى الله عليه وسلم على كفرهم، فإن شك بعد ذلك وتردد فإنه كافر بإجماع العلماء، على من شك في كفر الكافر فهو كافر" (انظر رسالة أوثق عرى الإيمان صـ 61).

- وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : "من شك في كفر هؤلاء بعد معرفة قولهم ومعرفة دين الإسلام فهو

 كافر كمن يشك في كفر اليهود والنصارى والمشركين .." انظر الفتاوى [2/368]...

- إذن : نشترط أن يكون الفعل ظاهرا في كونه كفرا وشائعا بين عامة المسلمين ، و نشترط معرفة حال الشخص ، حتى يصح تنزيل القاعدة على الأفراد ...
- نوضح بمثال ما قررناه :
- رجل سجد لميت و طاف بقبره و سأله شفاء المريض : الفعل هنا ظاهر واضح جلي أنه شرك مناقض لحقيقة الإسلام والتوحيد ، السجود لغير الله هذا لا يخفى على أحد ، و طلب الشفاء يكون من الله وحده ، و حال الفاعل معلوم و ظاهر لا يخفى ، و على ذلك : من عرف حال هذا الرجل و أنه سجد لغير الله و سأله الشفاء و قضاء حوائجه ، ثم امتنع عن تكفيره فإنه يلحق به ، لأن أفعال الرجل ظاهرة معلومة أنها شرك بالله ،و المتوقف يعلم حال الرجل أيضا ، لا يجهل ذلك ، فلا عذر له في امتناعه ، هذا بخلاف لو كان الفعل خفيا و حال الفاعل خفي غير ظاهر ، لكان لو جهل حاله فلا يكفر حتى نبين له ذلك ، و يشهد لذلك قول الأئمة و العلماء و هذه بعضها :
- قال ابن الوزير في الروض الباسم(2/508): "ولا شك أن من شك في كفر عابد الأصنام وجب تكفيره ومن
لم يكفره كفر ولا علة لذلك إلا أن كفره معلوم من الدين ضرورة .."
- قال ابوبطين فى مجموعة الرسائل والمسائل (1/655) : " ان فعل مشركي الزمان عند القبور من دعاء اهل القبور وسؤالهم قضاء الحاجات وتفريج الكربات والذبح والنذر لهم ، وقولنا ان هذا شرك اكبر وان من فعله فهوكافر ، والذين يفعلون هذه العبادات عند القبور كفار بلا شك ، وقول الجهال انكم تكفرون المسلمين فهذا ما عرف الاسلام ولا التوحيد والظاهر عدم صحة إسلام هذا القائل فإن من لم ينكر هذه الامور التى يفعلها المشركون اليوم ولا يراها شيئا فليس بمسلم ..."
- وقال الشيخ عبد الله ، والشيخ إبراهيم أبناء الشيخ عبد اللطيف ، والشيخ سليمان بن سحمان ، في الإجابة على سؤال ورد عليهم :
" لا تصح إمامة من لا يُكفِّر الجهمية والقبوريين ، أو يشك في تكفيرهم ، وهذه المسألة من أوضح الواضحات ، عند طلبة العلم…
ومع ذلك فأهل العلم متفقون على تكفيره ـ يعنون بِشر المريسي ـ وكذلك القبوريون لا يشك في كفرهم ، من شمَّ رائحة الإيمان ) الدرر السنية 10 / 436 ...
- قال الشيخ سليمان بن سحمان مقررا ومؤكدا ماذكره حسين بن حسن آل الشيخ ، حيث قال حسين آل الشيخ : (قول بعض العلماء من لم يكفّر المشركين أو شك في كفرهم فهو كافر ، فهذا حق ونحن نعتقده بحمد الله ، لكن هذا فيمن أجمع عليه علماء الإسلام على كفره   وقال الشيخ سليمان بن سحمان:
فالجواب أن يقال : (من لم يكفر المشركين ، أو شك في كفرهم فهو كافر ، وهذا حق كما أقررت به ، وهو قول أهل السنة والجماعة) . انتهى كلامه كشف الأوهام والالتباس ص (72) ....
-وقد سئل الشيخ سليمان ابن عبد الله رحمه الله : عن أهل بلد مرتدين أو بادية وهم بنو عم ، ويجئ لهم ذكر عند الأمراء فيتسبب بالدفع عنهم حمية دنيوية إما بطرح نكال أو دفن نقائض المسلمين أو يشير بكف المسلمين عنهم هل يكون هذا موالاة نفاق ؟ أو يصير كفراً ؟ فمما قال " : وإن كان يقول : أقول غيرهم كفار ، ولا أقول هم كفار ، فهذا حكم منه بإسلامهم إذ لا واسطة بين الكفر والإسلام ، فإن لم يكونوا كفاراً فهم مسلمون وحينئذ فمن سمى الكفر إسلاماً . أو سمى الكفار مسلمين فهو كافر ، فيكون هذا كافراً ) أ.هـ ( مجموعة التوحيد الرسالة السادسة – أوثق عرى الإيمان .ص 109-121)...
- الخلاصة : من علم أن أحدا من الناس وقع في الشرك الأكبر الواضح الظاهر الذي لا يخفى على أحد أنه شرك و كفر و أنه مناقض لدين الإسلام ، ولم يكن يجهل حال الفاعل ، فإن امتنع بعد ذلك فهذا كافر مكذب لصريح القرآن ، كما قال الأئمة ، على كل حال الكلام لم ينته ...

تم عمل هذا الموقع بواسطة