*الناقض الثالث : من لم يكفر المشركين ، أو شك في كفرهم ،أو صحح مذهبهم :
الأسئلة التي وردتني منكم تدل على ارتباك كبير عند بعض أحبابي تجاه هذه القاعدة ، لذلك سنرتب الكلام و نسرده في نقاط و لا بأس بإعادة بعض النقاط ، أسأل الله أن يفتح لكم باب الفهم و العمل و أن يرشدكم لما فيه فلاحكم ، أقول :
1- قاعدة من لم يكفر المشركين مبناها الذي قامت عليه هو : كفر التكذيب و الجحود و رد كلام الله سبحانه و كلام رسوله - صلى
الله عليه وسلم - ونوضح بمثال : قال الله تعالى : ( .. لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ) المائدة : 72 ، هذه الآية نص صريح في تكفير النصارى لأنهم يقولون : إن الله هو المسيح ابن مريم ، ما هو الواجب على كل مسلم في هذه الحال ؟ الواجب أن نقول : نعم ، النصارى كفار كما أخبرنا الله سبحانه ، طيب : جاء رجل و قال : النصارى ما هم بكفار ، ليسوا كفارا ، هم إخواننا و شركاؤنا في الوطن ، ما حكمه ؟ نقول : هذا كافر ، ليش ؟ لأنه كذب الله ورد كلامه ولم يقبله ، فوقع في كفر التكذيب و الجحود ، هو لم يقل : عيسى هو الله ، لم يعتقد هذا الكفر ، و لكنه كذب القرآن في حكمه على النصارى ، فصار كافرا مكذبا لنصوص القرآن ، و لذلك نقول : القاضي عياض في« كتاب الشفا في التعريف بحقوق المصطفى » ذكر هذه القاعدة و ذكر كفر من امتنع عن تكفير اليهود و النصارى ، و قال : لأنه كذب التوقيف و الإجماع ، يعني : كذب نصوص الشريعة التي حكمت بكفر اليهود و النصارى ، هذه مسألة مهمة فتنبهوا لها ...
2- سأنقل لكم ما قاله العلماء في الإجماع على كفر من لم يكفر المشركين ، لماذا ؟ لأن بعض الفاضلات ترى أنني أحكي الإجماعات ولا أذكر المصادر ، نعم ، سأذكرها حتى تطمئنوا فأقول :
- يقول الإمام برهان الدين البقاعي رحمه الله : فإنه لم يأت نبي إلا بتكفير المشركين - كما أشار إلى ذلك - صلى الله عليه وسلم - بقوله « الأنبياء أولاد علات ، أمهاتهم شتى ودينهم واحد » اهـ تفسير نظم الدرر ج2،ص446 .
-قال الخطيب البغدادي : قال أبو سلمة: من لم يشهد بكفر الكافرفهو كافر".اهـ كتاب تاريخ بغداد .
- قال ابن الوزير في الروض الباسم(2/508): "ولا شك أن من شك في كفر عابد الأصنام وجب تكفيره ومن لم
يكفره كفر ولا علة لذلك إلا أن كفره معلوم من الدين ضرورة .."إ.هـ
- وقال البقاعي في مصرع التصوف - (1 / 253): " ولا يسع أحدا أن يقول أنا واقف أو ساكت لا أثبت ولا أنفي لأن ذلك يقتضي الكفر لأن الكافر من أنكر ما علم من الدين بالضرورة ومن شك في كفر مثل هذا كفر ولهذا قال ابن المقري في مختصر الروضة من شك في اليهود والنصارى وطائفة ابن عربي فهو كافر ".
- قال البقاعي في نظم الدرر (8 / 267) : "فلعنة الله عليه أي [ ابن الفارض ] وعلى من تبعه أو شك في كفره أو توقف في لعنه بعد ما نثر من الضلال الذي سعر به البلاد , وأردى كثيراً من العباد.".
- -قال النووي في روضة الطالبين: "مَنْ لَمْ يُكَفِّرْ مَنْ دَانَ بِغَيْرِ الْإِسْلَامِ كَالنَّصَارَى، أَوْ شَكَّ فِي تَكْفِيرِهِمْ، أَوْ صَحَّحَ مَذْهَبَهُمْ، فَهُوَ كَافِرٌ، وَإِنْ أَظْهَرَ مَعَ ذَلِكَ الْإِسْلَامَ وَاعْتَقَدَهُ ".
- قال ابن تيمية في الرد الأقوم على ما في فصوص الحكم : "وأقوال هؤلاء شر من أقوال النصارى وفيها من التناقض من جنس ما فى أقوال النصارى ولهذا يقولون بالحلول تارة وبالإتحاد أخرى وبالوحدة تارة فإنه مذهب متناقض فى نفسه ولهذا يلبسون على من لم يفهمه فهذا كله كفر باطنا وظاهرا بإجماع كل مسلم ومن شك فى كفر هؤلاء بعد معرفة قولهم فهو كافر كمن يشك فى كفراليهود والنصارى والمشركين " (ج2\ص368)...
- قال الملطي في كتاب التنبيه – صـ 33 : " وجميع أهل القبلة لا اختلاف بينهم أن من شك في كافر فهو كافر ، لأن الشاك في الكفر لا إيمان له ، لأنه لا يعرف كفراً من إيمان ؛ فليس بين الأمة كلها ، المعتزلة ومن دونهم ، خلاف أن الشاك في الكافر كافر.".
- طيب : هذه الإجماعات المتواترة تكفيكم حتى تطمئن قلوبكم ، فنحن نتكلم في قضية ليست من اختراعنا و لا من اختراع الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب ، بل هي عقيدة مجمع عليها ، ولكن : انتشار الجهل و فشوه جعلها غريبة غربة الدين كله ، إذن : ننطلق مطمئنين في بيان هذه القاعدة ، و إن كنت أعيد و أكرر لكن هذا خير لكم و فيه ضبط وفوائد كثيرة ..
3- التكفير بالتسلسل : هذه بدعة منكرة ، من بدع المعتزلة ، و أنا لا أكفر بالتسلسل البتة كما يفعل الغلاة و أسلافهم من المعتزلة ، و لا أكفر بلازم القول، بل أنا أقرر عقيدة أهل السنة والجماعة ،التي قررها إمامنا محمد بن عبد الوهاب و من قبله شيخ الإسلام ابن تيمية و الإمام ابن القيم ، و أقول لكم :
مسألتنا لها طرفان :
* رجل وقع في كفر أو شرك مجمع على كونه كفرا أو شركا ،
* رجل توقف فيه و قال لا أكفره ،
ماذا يعني هذا ؟
أقول : سأضرب لكم مثالا نوضح به :
- زيد من الناس ذبح للحسين ، فقال عمرو : زيد ليس مشركا لأنه جاهل أو مقلد ، الحديث عن عمرو الذي لم يكفر زيدا ، هل يكفر أم لا ؟ هذه هو محل بحثنا ، و هذا البحث له ضوابط و قواعد سنذكرها ..
4- هذه النقطة انتبهوا له جيدا واحفظوها :
رجل ذبح للحسين وطاف بالضريح ، قال زيد : هذا الرجل مشرك بالله ، ولا عذر له ، طيب : جاء عمرو وقال : هذا الرجل جاهل معذور ، هنا قال زيد : نعم ، أنا أكفر الذي ذبح للحسين ولا أعذره ، و لكن : لن أحكم بكفر عمرو الذي عذر الرجل بجهله لأنه عنده شبهة أو تأويل ، هل يكفر زيد ؟ الجواب : لا ، عاذر العاذر لا تنطبق عليه القاعدة ، نحن ننزل القاعدة على من ؟ على العاذر فقط ، أما عاذر العاذر فلا ، و من قال بكفر عاذر العاذر فهو معتزلي ، يكفر بالتسلسل ، هذا ما أحببت ذكره و إن كان فيه إعادة ، لكنه سيضبط معنا كثيرا من الأمور ...